المشهد السوري بين ترتيبات شمال شرق الفرات الجديدة وضرورات أجندة بايدن الانتخابية

1241932959

بعدما أُسدلت الستارة عن الأحداث الدامية الأخيرة التي فاجأت في توقيتها واتساع رقعتها المراقبين للوضع السوري، ونجحت الى حدٍ ما في تحريف الأنظار عن الثورة السورية المنطلقة من السويداء جنوب سوريا، كما عن مخطط محاصرة نظام الأسد وإيران وميليشياتها في عمق المناطق الداخلية الخاضعة للنظام حتى الآن، انطلاقاً من معركة شرق سوريا بين التنف والبوكمال لإقفال آخر شريان تواصل إيراني مع الأسد عبر العراق وكسر الهلال الإيراني نهائياً،بدأت حسابات الربح والخسارة تفعل فعلها في المشهد السوري حيث بات من الواضح والجلي أن ما حصل لا يعدو كونه " تظبيط " بعض المعادلات على أرض الميدان تهميد الإعادة هيكلة القوى المحلية الحليفة للتحالف الدولي الذي يترأسه الأميركيون للإطاحة بنظام بشار الأسد.

إعادة هيكلة بين قسد والعشائر العربية

  • أولاً : غرّد القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي بالأمس حول آخر تطورات الأوضاع في دير الزور، معلناً التواصل مع شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل بعدما تم التشارور بين قسد وأبناء العشائر السورية في المنطقة، في مقابل عفو قسد عن الموقوفين، داعياً سكان دير الزور  لتوخّي الحذر وتجنّب الإنجرار وراء الفتن والتحريض والعنصرية، فتعهّدت قسد بإعادة هيكلة كل من المجلس المدني الذي يحكم محافظة دير الزور ومجلس دير الزور العسكري لجعلهما ممثّلَين عن جميع العشائر والمكوّنات الموجودة في دير الزور. وللتذكير كانت قد اندلعت المواجهات المسلّحة بعد أن اعتقلت "قوات سوريا الديمقراطية" قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل المعروف بـ"أبو خولة" في مدينة الحسكة، ما أثار توتراً تطوّر إلى اقتتال تمدّد أياماً عدة وأدى الى سقوط قتلى بالعشرات.
    ولمَن لا يعلم فإن  مجلس دير الزور العسكري تابِع لقوات سوريا الديمقراطية، ويضم في صفوفه مقاتلين محليين ويتولّى أمن المناطق في محافظة دير الزور التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية من المحافظة. "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة تتشكّل من فصائل كردية وعربية على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية، وتتمركز على الضفة الشرقية لنهر الفرات الذي يقسم محافظة دير الزور، وهي تتولّى الإدارة الذاتية الكردية، و"قسد" التي تشكل جناحها العسكري إدارة مناطق سيطرتها، خصوصاً ذات الغالبية العربية عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية، في محاولة للتخفيف من الحساسية العربية-الكردية ومنها مجلس دير الزور العسكري، وبالتالي وانطلاقاً من كلام القائد العام لقوات قسد، يمكن القول إن المعركة انتهت بإعادة توزيع خارطة توازنات القوى داخل المنطقة المسيطرة على ثروات سوريا شرقي الفرات، والتي تتحالف مع الأميركيين والتحالف الدولي لصالح العشائر العربية والعنصر العربي الذي سيعد حجم نفوذه ووجوده وتأثيره السياسي داخل التحالف الدولي شمال شرقي سوريا .

" التبديل الروتيني" في العراق بين المالكي والأميركيين

  • ثانياً : خرج الرئيس الأسبق للحكومة العراقية نوري المالكي منذ أيام عن صمته، مؤكداً في حديث متلفز أن شيئاً ما يتم إعداده في العراق وسوريا في ضوء التحركات الأخيرة للقوات الأميركية في المنطقة، مشيراً إلى إغلاق الحدود مع سوريا ومحاصرتها، رغم نفي الأميركيين وجود عمليات انتشار جديدة لهم وتأكيدهم أن ما حدث خلال الأسابيع الماضية كان "تبديلاً روتينياً" للجنود العاملين بصفة غير قتالية، وللمعدات العسكرية.
    وقال المالكي، زعيم حزب "الدعوة الإسلامية"، إحدى أبرز كتل تحالف "الإطار التنسيقي" في العراق الموالي لإيران بأنه متأكد من أنّ التحركات العسكرية الأخيرة تهدف لإغلاق الحدود مع سوريا، كاشفاً عن أنّ واشنطن طلبت منه ذلك مراراً عام 2011، لكنه رفض "كي يُنقذ سوريا ويمنع إطباق الحصار عليها"، مؤكداً محاولة القوات الأميركية إغلاق الحدود بين العراق وسوريا، وكاشفاً إمكانية الربط بين إغلاق الممر في البوكمال والتحرّكات في الجنوب السوري، وتحديداً درعا والسويداء.
    كلام المالكي هذا معطوفاً على تحركين : الأول ميداني متمثّل في انسحاب قوات الحشد الشعبي من الحدود العراقية- السورية لمسافة ١٥٠ كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، والثاني ديبلوماسي بقيام السفيرة الأميركية في بغداد منذ أيام بإبلاغ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بضرورة عدم التدخّل بالشأن السوري وببقاء العراق على الحياد.

رسالة تحذير غربية الى الأسد من قمع ثورة السويداء

وفي المعلومات المتوافرة منذ ساعات أن ثمة عاصمة عربية نقلت الى نظام الأسد رسالة تحذير غربية من مغبة أي لجوء الى القوة ضد محافظة السويداء لإخماد الثورة بالنار والحديد والدم أو بأي شكل قمعي تحت طائلة اعتبار نظام الأسد هو المسؤول، ولن تنطلي على الغرب حيل النظام في العام ٢٠١٨ بتصوير الحرب على أنها ضد الدواعش والإرهاب .
هذه الرسالة الشديدة اللهجة من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، تعني في ما تعنيه أن ثمة رصداً لبعض التحرّكات الأمنية والعسكرية الاستخبارية للنظام ضد المحافظة وجبل العرب، الأمر الذي يتقاطع مع معلومات نُشرت منذ فترة وجيزة عبر وسائل الإعلام السورية المعارِضة للنظام عن تكليف بشار الأسد لمدير المخابرات لديه حسام لوقا تولّي معالجة الوضع في السويداء من خلال عملية استخبارية تهدف لزرع الشقاق بين أبناء وأهالي السويداء على قاعدة " فرق تسد ".

تجهيز الأرضية لعمليات عسكرية أميركية مرتقَبة

  • ثالثاً : مسؤول عربي رفيع يؤكد أن ثمة تحركاً دولياً للإطاحة بنظام الأسد، وقد تصدّر هذا الخبر وسائل التواصل الاجتماعي والعديد من وسائل الإعلام انطلاقاً من أن التحرّكات والحشود والتعزيزات الأميركية والكلام الذي سمعه وزير الدفاع العراقي في واشنطن من رئيس الأركان الأميركي ورئيس قسم مكافحة الإرهاب، فضلاً عن رسالة السفيرة الأميركية في العراق لرئيس الوزراء العراقي، تشي بأن ثمة ما يُحضّر للساحة السورية على مستوى كبير .
    وفي المعلومات التي كتبنا حول بعضها في مقالات سابقة منذ أسابيع أن كل الحراك الذي يحصل في سوريا كما في العراق من تجهيز أرضية ستعتمد عليها واشنطن في عملياتها العسكرية المرتقبة من خلال إغلاق الحدود بين سوريا والعراق والأردن، وتمهيد الطريق لإنهاء نظام الأسد في سوريا، الأمر الذي يؤكده نور المالكي في حديثه المتلفز الذي أشرنا اليه أعلاه.

ثلاثة اعتبارات تدعم سيناريو الإطاحة بنظام الأسد

من هنا، فإن كل الإجراءات والتعزيزات الأميركية، وما يحصل في الجنوب السوري، كلها خطوات مترابطة ومواكِبة للاستعدادات للإطاحة ببشار الأسد ونظامه، لا سيما وأن هناك ثلاثة اعتبارات تدعم هذا السيناريو :

  • الاعتبار الأول إسرائيلي ويتمثّل في قناعة في إسرائيل بأن نظام الأسد الأب، ومن ثم الإبن والذي خدمَ إسرائيل طوال أربعين عاماً ونيف لم يعد مصدر ثقة لدى تل أبيب بعدما بات هذا النظام لصيقاً بالإيرانيين ويسهّل تسليم سوريا لإيران، ما يشكّل تهديداً استراتيجياً وأمنياً للأمن القومي الإسرائيلي.
  • الاعتبار الثاني وهو أميركي انتخابي بامتياز ومفاده أن البيت الأبيض الديمقراطي الممثَّل حالياً بالرئيس جو بايدن يريد إنجازاً خارجياً على مستوى تاريخي عالٍ لضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي فالبيت الأبيض يتأرجح شرق أوسطياً بين تطبيع إسرائيلي- سعودي وبين ضربة لنظام الأسد تتوّج إعادة انتخابه على أساسها.
  • الاعتبار الثالث هو الاعتبار السوري الداخلي الذي تغيّر تماماً، ورغم كل الصعوبات الميدانية كانت في العام ٢٠١١ والأعوام الأخرى، بمعنى وجود إرادة شعبية موحّدة من السويداء الى الساحل الى حلب ودمشق وريفها وشمال شرقي سوريا وشرقها ودرعا ومحافظات أخرى، لم تعد تريد إلا رحيل النظام مهما كلّف الأمر، إذ يكفي النظر الى ثورة السويداء والكلام الكبير الصادر من الثوار هناك والنظر الى ظاهرة اعتقال شخصيات ومواطنين علويين هذه المرة تجرأوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي كمثال لمى عباس التي تم اعتقالها بسبب معارضتها العلنية للأسد ونظامه على خلفية تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة النظام، كل هذا الحراك إن دلّ على شيء فعلى خروج الثورة هذه المرة أقوى وأفعل وأصلب عن سابقتها، بالتزامن مع وجود قرار دولي هذه المرة بالانتهاء من نظام الأسد ولو بعد حين، في ظل ضعف روسي بالمقارنة مع وضع روسيا عام ٢٠١٥، وضعف إيراني بالمقارنة مع وضع إيران عام ٢٠١١ وما بعده.

فرصة التفاوض الأخيرة لإنهاء النزاعات

ما حصل في شمال شرق الفرات من أحداث وصل الى خواتيمه مع إعطاء واشنطن المتقاتلين حتى أمس ١٠ الجاري لإنهاء النزاع والجلوس على طاولة التفاوض والحوار والاتفاق على حل لشمال الفرات يعيد هيكلة القيادة العسكرية والسياسية والمجالس المحلية وطريقة إدارة الثروات الطبيعية في المنطقة في شرق الفرات.
ومن هنا، نفهم تصريح القائد العام لقوات قسد الذي عرضناه في مستهل هذا المقال والذي بشّر بإنهاء القتال والتفاهم مع العشائر على خطوات إنهاء النزاع وإعادة ترتيب البيت الداخلي لمكوّنات تحالف شمال شرقي الفرات.

الأيام والأسابيع المقبلة حافلة بالتطورات في سوريا، والمشهد الى انقلاب جذري ما لم يطرأ أي تغيير في أولويات البيت الأبيض الانتخابية …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: