اسرائيل الى التصعيد في المنطقة من سوريا

FILE PHOTO: Smoke rises after what activists said were air strikes by forces loyal to Syria's President Bashar al-Assad in Arbeen, in the eastern Damascus suburb of Ghouta, March 8, 2015.  To match Special Report MIDEAST-SYRIA/TYCOON   REUTERS/Diaa Al-Din/File Photo

لا يأتي التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سوريا في الساعات الأخيرة مجاناً، فتتالي الضربات الجوية والبحرية على مواقع سورية وإيرانية في طرطوس وحماه يشير الى وجود توجّه لا بل قرار إسرائيلي بحسم الموقف في سوريا، خصوصاً لجهة الوجود الإيراني فيها مع ميليشياته.

التوتر الكبير الآتي من الباب السوري

يبدو من المعلومات المتواترة أن تل أبيب قطعت الأمل من إمكانية استجابة طهران لمطلبها بالانسحاب من سوريا، أو على الأقل بإنهاء الدعم لبشار الأسد ونظامه، خصوصاً بعد تعاظم الوجود والأسلحة الإيرانية النوعية في سوريا وتدفقها الى حزب الله اللبناني.
فالتصعيد الإسرائيلي يأتي بالتزامن مع انتشار قطع بحرية إسرائيلية في البحر قبالة الساحل السوري، ما يشير الى ما سبق وقلناه في أكثر من مقال عن التوتر الكبير الآتي الى المنطقة انطلاقاً من الباب السوري، باعتبار أن كل النصائح وكل التهديدات التي وجّهت الى إيران وحزب الله والأسد بوقف العمل في استراتيجية ترابط الجبهات ووقف تهريب السلاح الى سوريا ووقف تسليح حزب الله اللبناني وتهريب المسيّرات وتصنيع السلاح، وقد حدّدت تل أبيب مطارات سوريا من دمشق الى النيرَب الى حلب لمنع تهريب السلاح، فضلاً عن استخدام مرافىء الساحل السوري كمرفأ طرطوس لإيصال السلاح وتهريبه، ناهيك عن استخدام البرّ عبر بوابة التنف - البوكمال لإدخال السلاح الى سوريا.

قصف إسرائيلي للمسيّرات الإيرانية من سوريا الى جنوب لبنان

حالياً بدأنا نشهد فصول التصعيد الإسرائيلي، إذ إن لا الأميركيين ولا الإسرائيليين باتوا قادرين على أن تتحوّل سوريا الى قلعة عسكرية عاصية على أمنهما القومي المشترك، الأمر الذي يرجّح مرحلة تصعيد غير مسبوق قد يرتفع معها منسوب الضربات على سوريا الى وتيرة يومية وبأكثر من ضربة.
لأول مرة، تُسجّل ضربتان في يوم واحد بالأمس، بحيث استهدفت البحرية الإسرائيلية مستودعات سلاح لحزب الله ما بين قرية الجماسة وقرية دير الحجر في ريف طرطوس على بعد ٤ كيلومترات من البحر جنوب طرطوس و٧ كيلومترات عن منطقة العريضة مع الحدود اللبنانية، واللافت هذه المرة أن القصف الإسرائيلي، وخلافاً لتفاهمات إسرائيلية روسية سابقة، حصل في وضح النهار وليس في الليل ما يُفسّر أمرين :

  • الأول أن معلومات إستخبارية إسرائيلية ألحّت على ضرورة تنفيذ الضربات قبل عبور الأسلحة الى لبنان لكون الوضع اللبناني خاضع لحسابات مختلفة عن حسابات الوضع السوري، فكان لا بد من استباق دخول الشحنات الى لبنان ولو في النهار.
  • الثاني أن تل أبيب تريد تغيير قواعد الاشتباك ومعها قواعد التفاهمات مع الروس، وما استهداف طرطوس حيث القواعد الروسية البحرية المعروفة إلا رسالة واضحة على عدم الاستمرار بعد اليوم بالتفاهمات السابقة وتحرّك إسرائيل في أي وقت وبالشكل الذي تراه حمايةً لأمنها القومي .
    الهجوم الثاني أيضاً في نفس اليوم ومساءً، استهدف مطار الشعيرات جنوب حمص واللواء ٤٧ قرب حماه والبحوث العلمية مع تسجيل وقوع خسائر كبيرة، علماً أن المناطق التي قُصفت في معظمها جاء قصفها مستهدِفاً المسيّرات الإيرانية وقواعد تصنيعها وتركيبها، خصوصاً الطيران المسيّر الانتحاري، ما يشكّل تهديداً لأمن إسرائيل وأميركا، خصوصاً بعدما كشفت تل أبيب منذ أيام عن وجود مطار مسيّرات لحزب الله في لبنان.

ماذا عن طرد إيران وحزب الله من سوريا عبر نظام جديد؟

الكشف عن هذا المطار في جنوب لبنان ترافق مع تهديد إسرائيلي واضح بضرورة تفكيك هذا المطار كي لا تُضطر إسرائيل الى ضربه، ما قد يُشعل جبهة لبنان مع إسرائيل أيضاً.
كل هذه التطورات ينُظر اليها من منظار الملف السوري، فهي تؤكد أيضاً وأيضاً ما سبق لنا وكشفنا عنه منذ أسابيع عن وجود خطة إطباق على نظام الأسد قوامها إقفال ممر التنف- البوكمال وربط شمال شرق الفرات بشرق سوريا، وصولاً الى الجنوب السوري في السويداء ودرعا، بحيث يُحاصَر نظام الأسد في منطقته في دمشق وريفها والساحل السوري حصاراً اقتصادياً ومالياً ومعيشياً واستراتيجياً الى حد الاختناق الذاتي بعدما رُفع الغطاء عن الأسد إسرائيلياً، ما يعني أن تل أبيب لم تعد تمانع بالتخلّص من بشار الأسد لتفكيك الوجود الإيراني في سوريا، فالمطلوب اذاً طرد الإيراني وحزب الله عبر قيادة جديدة لسوريا، ومن هنا يُمكن فهم سرّ النبرة العالية والمتوترة لأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله في خطابه الأخير عند تطرّقه لإسرائيل وتهديداتها، كما يمكن فهم توالي الزيارات الإيرانية بدءاً من قائد فيلق القدس إسماعيل قآني بين بغداد ودمشق وبيروت ومجيئه ثانية بصورة سرّية الى سوريا ولبنان، ومن ثم زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى لبنان وسوريا، فضلاً عن إرسال ما يُعرف بالحجّاج الإيرانيين لإعادة التموضعات العسكرية وزيادة التسليح النوعي الجديد في سوريا وسلسلة من التحرّكات الإيرانية العسكرية والسياسية المتلاحقة في الآونة الأخيرة الى سوريا، بما يشي بوجود قناعة إيرانية بجدّية ما هذه المرة من الجانبَين الأميركي والإسرائيلي بموضوع سوريا، أقله لقصّ أجنحة إيران في سوريا إن لم يكن القضاء عليها.

الأسد يبتز العرب عبر تجارة المخدّرات

انطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن قياس مدى هشاشة وضع بشار الأسد وضعفه، وهو الفاقد كل شيء حتى مشروعية وجوده في قصره، وبخاصة أن روسيا لم تعد قادرة على توفير الدعم كما في العام ٢٠١٥ بالنظر لأثقال حربها في أوكرانيا ومواجهاتها الدولية على أكثر من صعيد اقتصادي ومالي وسياسي، فضلاً عن توقف الانفتاح العربي على نظام الأسد بعد أن أدرك العرب، وفي مقدمتهم الأردن أن بشار الأسد هو المسؤول عن استمرار تصنيع المخدِّرات وتهريبها واستخدامها كورقة ضغط لا بل ابتزاز لإجبار العرب على إرسال الأموال اليه في مقابل التوقف عن تجارة الكبتاغون .

هل يقتنص السوريون الأحرار لحظة ضعف نظامهم؟

اذاً نحن أمام مشهد إقليمي تصعيدي جديد قد تنزلق فيه الأوضاع الى حرب الساحات وبخاصة في سوريا ولبنان ربما رغم الضوابط الدولية والإقليمية المتحكّمة بالوضعية اللبنانية، والتي قد تتيح إن لم يكن مواجهة مفتوحة فأقله ضربات استباقية أو احترازية إسرائيلية تضمن الحد من تدفق السلاح الإيراني الى لبنان، والحد من خطر تعاظم ترسانة حزب الله العسكرية في الداخل اللبناني.
بالمقابل في سوريا نحن أمام لحظة ضعف مثالية لبشار الأسد ونظامه كي ينتفض عليه الشعب السوري من الداخل ويسقطه وهي فرصة نادرة قد لا تتكرر نترك للسوريين الأحرار حرية قرارهم لعمل ما يرونه مناسباً .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: