تستدعي الحملات الأخيرة التي تُسجّل في بعض وسائل الإعلام حول بعض المصارف الكبيرة، وتركز على تراجع حجم الموجودات في الفروع التابعة لها في لبنان مقابل زيادة في ودائعها في فروعها الخارجية كما في فرنسا على سبيل المثال، البحث الموضوعي في الأسباب التقنية المباشرة لهذا التطور، وهو ما قام به موقع LebTalks، من خلال استقصاء الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه المعادلة، حيث توضح مصادر إقتصادية ومالية مواكبة، أن 3 عوامل قد دفعت نحو هذا الواقع:
أولاً: مبادرة كل أصحاب القروض على تسديدها في لبنان حيث أن 90 بالمئة من القروض قد تمّ تسديدها من خلال شيكات مصرفية أو بالعملة اللبنانية خصوصاً وأن المقترضين تهافتوا إلى المصارف لتسديد كل ديونهم وفق سعر دولار 1500 ليرة.
ثانياً: كل المودعين الذين باعوا قسماً أو كل ودائعهم في المصارف عبر شيكات مصرفية باللولار أو الذين اشتروا عقارات من خلال استخدام ودائعهم في المصارف، قد قاموا بالتأثير مباشرةً على حجم الودائع التي كانت في المصارف اعتباراً من العام 2020، ويُضاف إليهم المودعين الذين سحبوا جزءًا من ودائعهم في بداية الأزمة واحتفظوا بها في بيوتهم أو عملوا على تحويلها أو نقلها إلى مصارف خارجية لاستثمارات أو شراء عقارات في الخارج، إضافةً إلى المستفيدين من تعاميم البنك المركزي وخاصة التعميم 158.
ثالثاً: عادت الدورة الإقتصادية مجدداً إلى العمل بعد مرور 3 سنوات على الإنهيار المالي وباتت الشركات والمؤسسات العاملة في لبنان، تحتفظ بأرباحها المالية لديها أو في المنازل أو تقوم بتحويلها ك"فريش" دولار إلى الخارج عبر المصارف أو شركات تحويل الأموال.
وفي هذا السياق، وعلى مستوى ارتفاع حجم الودائع في بعض فروع مصارف لبنانية معينة في الخارج وتحديداً في اوروبا، فإن هذه المصادر المواكبة عن كثب لهذه العملية، تكشف عن أن المصارف الغربية قد فرضت قيوداً على كثير من أصحاب الحسابات اللبنانيين لديها وذلك على أثر الأزمة المالية في لبنان في العام 2019 ، وباتت تضع قيوداً صارمة على كل لبناني يريد أن يفتح حساباً له فيها، حتى أصبح من الصعب جدا لأي مواطن أن يفتح حساباً في أي فرع للمصارف الأجنبية، حتى أن اللبناني الذي يملك في الأساس حساباً مالياً، وجد نفسه مضطراً لإقفال حساباته ونقل أمواله إلى فرع أي مصرف لبناني في الخارج. وبالتالي تحولت هذه المصارف إلى ملاذٍ وحيد لكل اللبنانيين في لبنان والخارج، والذين يريدون إيداع أموالهم خارج لبنان.
وما تقدم لا يقتصر على مصرفٍ معين، بل يشمل معظم المصارف اللبنانية، إذ أن الازمة المصرفية المستشرية منذ العام 2019، هي أزمة نظاميةSystemic ، إذ تُرخي بظلالها على المصارف اللبنانية كافة وإن بدرجات من التفاوت تعود إلى حجم كل مصرف ومدى انتشاره عالمياً.
وقد حاولنا إجراء مقارنات علمية بين المصارف الكبرى لنجد بأن الكثير منها، قد قام بحذف أرقام وبيانات تعود لميزانياته الموقوفة قبل وبعد الأزمة ممّا جعلنا عاجزين عن القيام بهذه المقارنات.
وحبذا لو تقوم لجنة الرقابة على المصارف بنشر قيمة التحاويل الخارجية التي قام بها كل مصرف منذ اندلاع الأزمة وعدد الزبائن الذين قاموا بهذه التحاويل وخاصةً أن هذه المعلومات لا تشكّل خرقاً للسرية المصرفية، إلاّ أنها تحسم الجدل الذي لا ينتهي حولها مرةً وللأبد.
