لقد تيقّنت “المجسّات” والرادارات المحلية، الإقليمية والدولية بعد رصدها وترقبها لأداء حزب الله على الحدود ومدى التزامه بقواعد الاشتباك بينه وبين العدو الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الجاري، أن الحزب يُتقن فن الوصول الى حافة هاوية الانفجار من دون أن يقع فيها، كما يُتقن لعبة ضبط المكان والزمان بدقة الساعات السويسرية وبميزان “الجوهرجي” الإيراني.
ومن هنا، نفهم أن أول إشارة لخرق الحزب- الإيراني الأمرة لقواعد الاشتباك ستكون في تخطي صواريخه وعملياته مناطق حدود الاحتلال الإسرائيلي لتستهدف وتطال وتصيب عمق “الكيان الصهيوني”.
وفي هذا المجال، نتوقف عند “تخطيات” و”خروقات” لتلك القواعد تبنّتها كل من “كتائب عز الدين القسام-لبنان” وقوات الفجر-الجناح العسكري ل”الجماعة الإسلامية”.
هذه التخطيات-الخروقات أثارت الكثير من التساؤلات حول مدى “إمساك” أو “إفلات” حزب الله المحتكر ل”المقاومة” منذ أواخر الثمانينات بقرار سوري-إيراني لورقتي القسام والجماعة، وهذا ما يدفعنا للولوج الى هوية المجموعتين وارتباطاتهما وماهيتهما السياسية والعقائدية والمذهبية وأدائها.
- أولاً :بالنسبة ل”كتائب عز الدين القسّام هي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس وهي حركة سنّية إسلامية تتبع ل”الأخوان المسلمين” وحالياً سياسياً وعسكرياً لإيران المموِّلة والداعمة الأساسية لها….ولكن عند نعي “كتائب عزالدين القسّام-لبنان” لشهدائها الثلاثة الذين سقطوا بُعَيد “عملية الطوفان” على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وتبنّيها لاحقاً عمليات إطلاق الصواريخ الى عمق فلسطين المحتلة كانت المرة الأولى التي تذيّل بها “الكتائب” بياناتها بهذا الإسم، فليس لكتائب عز الدين القسّام “فرع آخر” لأن عملها ونشاطها العسكري التنظيمي محصوران على الأرض الفلسطينية ومقاومتها أيضاً…
ويبقى السؤال الشرعي المشروع هل أن تلك “الكتائب” وتحت هذه التسمية عملت وتعمل بوحي حزب الله وأجندته أو هي تعمل لكسر احتكار الحزب الإسلامي الشيعي للمقاومة في لبنان، وهل تعمل للتخريب على قواعد الاشتباك المضبوطة مع إسرائيل حتى الآن؟
- ثانياً: بالنسبة ل”قوات الفجر-الجناح العسكري ل “الجماعة الإسلامية” والذي ذيّل بيان تبنّي إطلاق الصواريخ بهذا التوقيع…فضروري العودة لمسيرة هذه القوات وتلك الجماعة ومدى قربها وخرقها أو بعدها من حزب الله.
بالنسبة لماهية الجماعة الإسلامية في لبنان وهويتها هي من دون لبسٍ وبكل وضوح هي “الأخوان المسلمين في لبنان”، وقد شهدت هذه الجماعة محاولات خرق لها من المخابرات السورية ومن حزب الله الذي لم يستطع تحويل الجماعة إلى واجهة سنيّة طيّعة قابلة للتحكّم في سلوكها السياسي. ولا يمكن هنا تجاهل محاولات «حزب الله» لشقّ صفوف «الجماعة» أو لخلق ازدواجية في عملها المقاوِم من خلال دعم مجموعة عبد الله الترياقي، أحد كوادر «الجماعة» السابقين ومحاولة فرضه بإسم «قوات الفجر» وهو الأسم الذي لطالما عُرف به الجناح المقاوم للجماعة الإسلامية…
وهنا وقبل إعلان “قوات الفجر” السنّية- الاخوانية عن تبنيها لإطلاق الصواريخ من الجنوب في 18 تشرين الأول 2023 على العمق الإسرائيلي، وقف الأمين العام لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان الشيخ محمد طقوش ليعلن من عكّار في 11 تشرين الأول 2023 أنّه تفقّد مواقع “قوات الفجر” في الجنوب قبل ساعات، مجدِّداً التأكيد بأنّ الإصبع على الزناد وأنّ «الجماعة» حاضرة في معادلة المواجهة مع العدو الإسرائيليّ بتاريخها الذي بدأته في مواجهة الغزو الإسرائيلي عام 1982″…
إذاً مَن الإسم الذي ذيّل به بيان “إطلاق الصواريخ” ومن التبنّي السياسي المسبق لعملية “الإطلاق” نستخلص بأن المسؤول عن إطلاق صواريخ “كسر قواعد الاشتباك” و”كسر احتكار حزب الله” هي “الجماعة الإسلامية” نفسها التي لم يستطع حزب الله تطييعها ولا ترويضها ولا خرقها، وبقيت أخوانية مقاومة “على حسابها” ولو تعارضت مع “حسابات” الحزب وإيران المحلية والإقليمية.
فهل نكون أمام خسائر جانبية لحرب لم تقع بعد على أرضنا ونكون أمام أثمان ندفعها بمعارك جانبية وبنيران مقاومة صديقة لدودة ذات ابعاد تاريخية إقليمية محلية ومذهبية؟
وللبحث صلة….