بعد عقدين من الزمن، رُفعت العقوبات الأممية عن إيران بالكامل فيما عُرف ب “اليوم الانتقالي في الاتفاق النووي” المحدّد في يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، إذ أكد مجلس الأمن رسمياً منذ أيام رفع الحظر الصاروخي عن طهران وفقاً للقرار 2231 الدولي.
تباين مواقف الأطراف الموقّعة
سكرتارية مجلس الأمن الدولي أرسلت بیانها إلى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة منذ أيام بشأن انتهاء العمل رسمياً بالبنود 3 و4 و6 المنضوية تحت الفصل “ب” من القرار 2231 .
هذا القرار جاء مع انتهاء سريان القيود الأممية المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، فيما تباينت مواقف الأطراف الموقِّعة على الاتفاق النووي (وقّع قبل نحو ثمانية أعوام) فيما موسكو من جهتها عقّبت على الإعلان بأنها لم تعد بحاجة إلى الالتزام بالقيود الأممية على تقديم تكنولوجيا الصواريخ لحليفتها إيران.
أسباب تمسّك بعض الأطراف بالحظر التسليحي
ثمة طرف دولي مهم وكبير رفضَ رفع الحظر، وهذا الطرف ضم حوالي 45 دولة بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الذين أصدروا بياناً مشتركاً أعلنوا فيه تمسّكهم بالحظر التسليحي على طهران، فيما قرّرت عواصم مثل واشنطن وبروكسل ولندن وسيدني ومونتريال فرض عقوباتٍ جديدة تستهدف الملف النووي وبرنامجي الصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية.
وفي المعلومات، ثمة 3 أسباب للمتمسّكين بالحظر التسليحي:
1 – إستخدام روسيا طائرات مسيّرة إيرانية ضد أوكرانيا
2- إحتمال قيام إيران بنقل الصواريخ الباليستية إلى روسيا مجدداً.
3 – حرمان إيران من مزايا الاتفاق النووي الذي انتهكته بعد انسحاب الولايات المتحدة.
إيران لن تلتزم بالعقوبات الغربية
إيران من جهتها لا تزال تنفي تدخّلها في الحرب على أوكرانيا، مؤكدة عزمها مواصلة تعزيز قدراتها الصاروخية وفقاً لعقيدة الأمن القومي، وهذا النفي بالطبع لم يعد ينطلي على أحد نظراً لما كشفته القوات الأوكرانية مرات عدة من بقايا وشظايا صواريخ استخدمها الروس ضد المناطق والأراضي الأوكرانية، وهي أي إيران لطالما إدّعت أيضاً بأن لها الحق القانوني في بيع أو شراء الأسلحة وفقا للقوانين الدولية والاستمرار في منعها أو عرقلتها عن ممارسة هذا الحق سيؤدي الى تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، ذلك لأن العقوبات الأخيرة التي فُرضت عليها تُعتبر تجاوزاً للقرارات الدولية المتمثّلة في بيان مجلس الأمن، وبالتالي فإنه من غير المتوقّع أن تلتزم إيران بالعقوبات الغربية على برنامج طهران الصاروخي، إذ إن مواقف القوى الغربية مؤخراً على طهران نابعة من العداء الذي تضمره تلك الدول ضد الجمهورية الإسلامية، كما تقول القيادة الإيرانية، وأن أسبابها المعلنَة لإعادة فرض العقوبات إنما هي ذرائع فارغة خصوصاً الاتهامات بتزويد طهران لروسيا بالسلاح في الحرب الأوكرانية.
استمرار العقوبات على المبادلات المالية وبيع النفط الإيراني
وعلى الرغم من كل هذا النفي الإيراني والتهديد والوعيد، فإن الأمر الأكيد هو أن هذه العقوبات الغربية على صواريخ إيران الباليستية سوف تعرقل بالفعل حق طهران في تصدير أو استيراد القطع الصاروخية وإجراء الاختبارات اللازمة، ما يعني أن الضغوط الغربية تتجاوز مفاعيل وأجندة القرار 2231 الدولي، كما أنه وبالرغم من انتهاء سريان العقوبات الأممية المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، إلا أن الأمر لن يتغير بالنسبة الى طهران في ضوء استمرار العقوبات على بيع النفط الإيراني والمبادلات المالية، والتي تشكّل فعلياً الضغط الأكبر على النظام الإيراني، وبالتالي فإن إيران لن تجني نفعاً من رفع مجلس الأمن القيود المفروضة على صواريخها الباليستية في ظل العقوبات المفروضة على مبادلاتها المالية، لا سيما قطع نظام “سويفت” للمراسلات المالية خدماته عن المصارف الإيرانية، وعدم انضمام طهران إلى مجموعة العمل المالي، وهو ما تسبّب إلى الآن بمشكلات كبيرة في نقل عوائد النفط إلى داخل إيران.
” صدفة ” رزنامة وتوقيت
يُضاف الى كل هذه المعطيات الاعتبار الجيو سياسي الذي يبيّن أن الإدارة الجمهورية كانت السباقة في انتهاك الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي شجّع صقور إيران المعادين للاتفاق أيضاً على إسقاطه من حساباتهم، وانطلاقاً من مجمل الوقائع والمعطيات الواردة أعلاه، من الواضح أن إيران أمام ” صدفة رزنامة ” لا أمام انتصار في موضوع رفع الحظر على صواريخها الباليستية، وبالتالي هذا المعطى المتوقّع بموجب البرمجة الزمنية للقرار الأممي رقم 2231، وإن تحقّقت هذه الصدفة إلا أنها لا تخفي غبار التوتر الدولي والإقليمي ضد طهران ولا التورّط المحسوب لإيران في ما يحصل وما قد يحصل في المنطقة انطلاقاً من غزة، إلا في حال استئناف إيران تصدير الصواريخ الباليستية وهنا تصبح عرضة لتصدّي الولايات المتحدة الأميركية ودول “الناتو”، ما قد يستجرّ إما انكفاءً وإما توتيراً إيرانياً عبر الوكلاء الإقليميين، مع الإشارة الى أن طهران لم تعد قادرة على إيصال شحنات صواريخها الى سوريا ومنها الى لبنان، كما أن إيصال صواريخها عبر باب المندب ومرفأ الحديدة في اليمن دونه عقبات جدّية نتيجة الرقابة البحرية الدولية المناهضة لحركة إبحار السفن الإيرانية وخضوع المنطقة البحرية، سواء في الخليج أو في البحر الأحمر، لنفوذ وسيطرة التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وبالتالي ليس من السهل ” تأريش ” رفع الحظر عملياً على أرض الواقع، ولا حتى عبر البحار وصولاً الى المتوسط المتحوّل حالياً الى ساحة صراع و حرب وأساطيل وترسانات دولية وأميركية في حالة تأهب حربي قصوى .
إيران تزداد قناعةً بدورها المؤثر في الصراعات
من هنا فإننا لا نرى أي تأثير جيو سياسي مباشر لرفع الحظر على المنطقة لكن تأثيره سيصب في حرب أوكرانيا حيث سيكون بإمكان إيران بيع صواريخها ومسيّراتها الى روسيا ومناطق صراع أخرى في العالم من دون أن ننسى أن إيران تمكّنت من توفير احتياجاتها رغم الحظر المالي وعدم الانضمام إلى قوانين “فاتف”، وقد ظهر ذلك في ارتفاع بيعها من النفط بنسبة تفوق 100% خلال العامين الماضيين خصوصاً الى الهند والصين.
في هذه الأثناء، أثبتت طهران قدرتها على صناعة أسلحة هجومية ودفاعية فاعلة، وقد أتت الضجة الغربية بشأن بيع إيران نماذج محدودة من مسيّراتها إلى روسيا قبل اندلاع الحرب على أوكرانيا لتزيد إيران قناعة بدورها المؤثر في الصراعات، وكان ذلك موضع اعتزاز لدى النظام الإيراني يمدح فيه نجاعة سلاحه المدمِّر وغير المضبوط.
ونسجّل في هذا الإطار، وبأسف شديد، قيام العديد من الدول بينها دول غربية وشرقية بتقديم طلبات لشراء الطائرات الإيرانية المسيّرة ونماذج من الصواريخ القاتلة، ما يعزّز جانباً مهماً من صمود دولة الملالي أمام عزلها عن قوانين
” فاتف “، وهذا ما فسّر ويفسّر عدم احتياج إيران إلى الانضمام إلى تلك القوانين، ولا حتى الى نظام سويفت لتسديد مبالغ أسلحتها، إذ بإمكانها إتمام عمليات قبض أسعار مبيعاتها بأساليب موازية للأنظمة المالية التي تخضع لرقابة دولية خاصة بالتعاون مع الصين وروسيا.