دعونا في هذا المقال ندع جانباً عواطفنا وتضامننا مع أهل غزة وشعب غزة وأبرياء غزة من أطفال ونساء وشيوخ ونقول كلمة سواء، لأن الزمن الحالي زمن مصارحة ووضع النقاط على الحروف .
القضية الفلسطينية لطالما كان جسمها ” لبيس ” أي أنها لطالما كانت موضع استثمار ومتاجرة ومساومة منذ ظهور النظام الإسلامي في إيران .
الغاية تبرر الوسيلة يقول فيلسوف علم السياسة السوداء نيقولو مكيافيل، والنظام الإيراني سار في هذا النهج من اللحظة التي رفع فيها شعار القدس وتحرير القدس حيث نجح في تعبئة شعوب المنطقة، بدايةً على فكرة القضاء على إسرائيل لتظهر فيما بعد وعلى مر الأيام أن تحرير القدس والقضاء على إسرائيل يتطلبان ضرب الدول العربية واحتلال عواصم عربية وإنشاء ميليشيات ذات طابع ” وطني ” ” محلي ” للإنقلاب على معادلات الداخل العربي وضرب الأنظمة في أربعة دول من العراق إلى اليمن إلى سوريا فلبنان .
وبعد أربعين سنة لم تحرر طهران القدس ولم تنه الكيان الصهيوني الذي حددت لانهائه “دقائق ” بل على العكس عززت طهران الإنقسامات الفلسطينية ودعمت بالسلاح والمال قسماً من الفصائل الفلسطينية ” الوطنية ” لتعزيز الشرخ الفلسطيني بين غزة ورام الله تماماً كما دعمت حزب الله ” الوطني ” في لبنان والحشد الشعبي “الوطني ” في العراق والحوثي “الوطني ” في اليمن والغاية : ليس تحرير القدس وحمل لواء القدس بل تدمير دول المنطقة واحتلالها تمهيداً لتشييعها وضرب النسيج السني بالدرجة الأولى .
هذا بالظبط ما حصل في سوريا النموذج الأكبر للفظاعات الإيرانية حيث ضربت إيران الشعب السوري بالتواطؤ مع نظام الأسد الإستبدادي الدموي الفتاك ، فدمرت سوريا ودمرت الشعب بين هجرة وقتل وإخضاع في مقتلة تاريخية على مدار عشر سنوات .
واليوم يعيش العالمان العربي والإسلامي وبخاصة في منطقتنا صراع ذاتي داخلي بين تيارين : تيار عربي إسلامي يدعم القضية الفلسطينية لكن لا يريد دعم نتاج إيران الفلسطيني وتيار عربي إسلامي لا مشكلة عنده في قبول الدعم الإيراني المهم المساعدة على مقاتلة اسرائيل .
حتى القضية الفلسطينية انقسمت إقليمياً عربياً وإسلامياً بعدما انقسمت فلسطينياً .
وبعد كل هذا ينتقد محور ما يسمى ” بالممانعة والمقاومة ” الدول العربية والخليجية لعدم المشاركة المباشرة في حرب غزة، التي افتعلها هذا المحور دون تنسيق أو اتفاق ولا علم الدول العربية والخليجية لماذا ؟ لأن المطلوب لدك الممانعين أن تتبع دول المنطقة مصالح إيران ” عالعميانة ” لا لشيء سوى لأن النظام الايراني نجح في تطويع بعض سذج وعاطفيي القضية لدرجة تشويهها لا بل إفشالها .
فعلى سبيل المثال وبالوقائع التي لا ترحم نأخذ مثال سوريا : غزة مساحتها ٣٥٠ كيلومتراً بينما مثلاً مدينة عفرين في الشمال السوري ساحتها ٣٥٠٠ كيلومتر أي عشرة أضعاف قطاع عزة – الجيش التركي جماعة الاخوان المسلمين وكل الإسلام السياسي جرفوا عفرين بالكامل وقد قام اسماعيل هنية وتنظيمه الفلسطيني مع خالد مشعل بتهنئة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على ” انجازات ” معركة عفرين والإنتصار على ” الشعب السوري ” هناك .
فكيف يمكن للفلسطينيين والغزاويين أن يتوقعوا وقوف السوريين اليوم مع فصائل غزة وفي طليعتهم حماس ؟
فهنية ومشعل حليفي إيران وتركيا، وإيران وتركيا تناوبا على ضرب الشعب السوري .
في غزة سقط إلى الآن حوالي ٤٥٠٠ قتيل أبرياء رحمهم الله بينما في سوريا سقط حوالي مليون ومئتي ألف قتيل رحمهم الله فعفرين وحدها سقط لها حوالي ٨٠٠٠ قتيل على يد الإسلام السياسي المدعوم إيرانياً وتركياً .
حالياً في إدلب السورية وبموازاة ما يجري في غزة يسقط يومياً عشرات القتلى حيث النظام السوري والمدعوم إيرانيا يضرب الشعب السوري ويقتل منه .
إدلب كغزة قدراً وتاريخًا وصور الدمار فيها كصور دمار إدلب السورية إنما الإعلام العالمي والإقليمي يتكلم فقط عن مجزرة المستشفى المعمداني والمرفوض والمدان بكل المقاييس ويسلط يوميا الضؤ على القصف الإسرائيلي المدمر والهمجي دون أي ذكر للمذابح في أدلب السورية الجارية هناك حالياً .
مجموع القتلى الفلسطينيين الذين سقطوا في حروب فلسطين من ١٩٤٨ إلى يومنا هذا وإن بلغوا عددياً المئة الف فإن بشار الأسد حليف إيران الداعمة لحماس والجهاد الإسلامي والقسام في غزة قتل في الأسبوع الأول من الحرب السورية نفس العدد من أبناء شعبه وكل هذا بإسم الممانعة والمقاومة والتحرير .
في مقابل تهجير مليون غزاوي حالياً هجر من قبل ١٢ مليون سوري خلال الحرب السورية وإلى الآن وهم يتوزعون في الدول المجاورة كلبنان والأردن وتركيا وفي قوارب الموت .
اللاجئون السوريون في تركيا حالياً يساوي عددهم سكان إسرائيل وفلسطين مجتمعين .
كل هذا تحت شعار مقاتلة إسرائيل وتحرير القدس …
حقيقة مرة : كل الذين هللوا لاحداث ٧ تشرين الأول هم الذين شاركوا بشار الأسد مجازره بحق السوريين ويتلقون الدعم والسلاح من إيران إلى الآن .
طبعا لسنا أبداً بصدد التخفيف من مسؤولية إسرائيل عن جرائمها ضد الإنسانية في غزة لكننا نحاول فهم لماذا يغيب التضامن العربي والخليجي الكبير والفاعل والمعلن مع غزة ولماذا لا نشهد هبة شعوب المنطقة لنصرة حماس والجهاد والقسام في غزة .
تحرير القدس وإنهاء اسرائيل يمران بتدمير سوريا وتهجير شعبها وإسقاط الدولة في لبنان وانهيار اقتصاده ومعيشته وسيطرة “حزب الله” على الدولة ومفاصلها وقرار الحرب والسلم … ويمران أيضاً بتقسيم اليمن مجدداً نتيجة دعم الحوثي ضد الشعب اليمني والشرعية اليمنية ويمران أيضاً وأيضاً بإضعاف العراق وإسقاط الدولة والقوانين ….
فكيف يمكن حصول تضامن عربي مع غزة بالشكل الذي كنا نتمناه وقد جاء وقت الحسابات والمحاسبة والجعبة مملؤة بتآمر مسلحي غزة ” المقاومين ” على شعوب المنطقة من خلال اصطفافهم إلى جانب الدولة المحتلة والنظام الايراني القاتل لأطفال سوريا والعراق واليمن ولبنان .
طبعا لا نحمل الشعب الغزاوي المغلوب على أمره مسؤولية ما اقترفته حماس والفصائل الحاكمة للقطاع لكننا نضع النقاط على حروف الحقائق.
ما يحضر للمنطقة كبير جداً : مشروع شرق أوسطي جديد ، مشروع ناتو إقليمي جديد ، صراع على الغاز والطاقة والنفوذ والتجارة والإقتصاد الدولي والإقليمي وتدافع أممي مسرحه تلك المنطقة من أوكرانيا إلى الصين فإيران فالهند مسرح هذا التدافع والصراع الهلال الشيعي من العراق الى سوريا الى لبنان وإسرائيل والأردن فشمال أفريقيا .
القادم كبير وعظيم وعند ساعة الصفر لن ينفع التحليل والإصطفافات ترتسم في الاقليم بين إيران والصين وروسيا وبشار الاسد الخادم الأمين من جهة في مقابل الولايات المتحدة الأميركية والناتو والإتحاد الاوروبي وإسرائيل ودول الخليج العربي .
نهاية الصراع أعلاه تسوية تكون ضحيتها شعوب لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والأردن .
كل الترسانات العسكرية الضخمة المحتشدة في المنطقة لم تأت من فراغ لأن التحديات ضخمة واقتصاد دول كبرى وعظمى قد تنهار إن لم يحصل سيناريو إعادة رسم خريطة نفوذ إقليمية جديدة ما يجعل الحرب ضرورة لإنقاذ الإقتصاد وضرورة لإحلال تسويات .
إيران خرقت عقول بعض العرب وها أن المنطقة ستدفع ثمن هذا الخرق وما كان بالأمس قضية كل العرب أضحى اليوم قضية جزء من العرب “المتأيرن” ( نسبة للتبعية لايران ) والمتشيع حتى في “سنيته ” ( مذهب السنة ) ليسقط القضية الكبرى لحساب قضايا وأجندات إقليمية ودولية متصارعة .
فبين سوريا وغزة وحدة حال، لكن جردة حسابات تنعكس على كافة دول المنطقة وغياب للتضامن سببه الفيروس الإيراني الذي بنى كل استراتيجيته على قول كلام حق إنما يريد به باطلاً .
