مأساة غزة ثمن التخادم الإيراني- الأميركي الجيو سياسي في المنطقة

000_33XZ7JY

أما وقد دخلَ قطاع غزة المرحلة الأصعب والأدق والأخطر بتاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتكشّفت أوراق قواعد اللعبة الجديدة كافة، فإن ما حصل منذ ليل أمس وحتى الساعة يُقرأ من زاوية جيو سياسية حسابية واضحة.

إنكشاف الصفقة الأميركية- الإيرانية

ما حصلَ ويحصل وسيحصل في القطاع الفلسطيني المنكوب، أظهر انكشاف صفقة إيران والولايات المتحدة الأميركية ومفتاحها غزة،
فكل الملفات بين هذين الطرفين يمكن أن تكون خلافية سوى ملف واحد تتفق عليه واشنطن وطهران : علاقة إيران بزعزعة أمن المنطقة إنفاذاً لمصالح واشنطن، إذ إن
الولايات المتحدة، وكما أثبتته مرة جديدة التطورات والمواقف منذ اندلاع “طوفان الأقصى”، تريد أن تُكمل إيران دورها المزعزع للمنطقة وأن تبقى قوية ومتهوّرة في مواجهة دول المنطقة،
وكل ما عدا ذلك ما دون أهمية هذا الهدف.

تلزيم إيراني لحماس بالدور المزعزِع في المنطقة

دول الطوق، وفي طليعتها مصر والأردن، تنعمان باستقرار نسبي وأمان رغم الظروف الاقتصادية وأزماتها،
لكن وبعد فشل “الربيع العربي” المدعوم أميركياً وإيرانياً في الدول العربية المجاورة كان لا بدّ من حدثٍ ضخمٍ يقلب مجدّداً الموازين الإقليمية ويستعيد مفاعيل زلزال ذاك الربيع المشؤوم .
هذا الحدث لُزِّمَ لحماس في القطاع بإيعاز إيراني لتنفيذ عملية إقليمية أكبر من تلك التي اعتادت حماس على تنفيذها، وبأسلوب غير معتاد للتسبّب بردٍّ إسرائيلي بدوره غير معتاد لا بل أكبر من المعتاد وبغير الأسلوب المعتاد كي تذهب غزة ضحية هذا العمل.

محاولات لجرّ مصر الى الحرب وإشغال الأردن

حماس أسرت ٢٠٠ شخص، اما إسرائيل فأسرت مليوني شخص، وفي ما قتلت حماس ١٢٠٠ إسرائيلي، قامت إسرائيل بقتل ٢٠ ألف فلسطيني مع ٥٠ ألف جريح، والباقي من سكان غزة أموات بلا قبور .
هي حقيقة يجب عدم التغاضي عنها بعد اليوم، فمنذ ٢٠٠٧ كلما تحرّكت حماس ميدانياً ضاع جزء من الأرض، ما يعني أن ما يحصل هو توافق أميركي- إيراني، ولو غير موقّع، والدليل على ذلك أن الدول التي تساعد غزة مثل مصر والأردن أفضل من أي دولة حتى الشقيقة منها، فالمحيط الأردني- المصري يُراد له أن ينشغل في هذا التوقيت عن تقديم أي عون لغزة، فترسل إيران حشدها الشعبي العراقي الى الحدود الأردنية مدّعية الذهاب الى فلسطين لمساعدة غزة، فيما
المطلوب إشغال الأردن ومصر، إذ لا أمل يُرتجى، لا من سوريا ولا من لبنان، وبالتالي يجب زعزعة استقرارهما، فكان الصاروخ الحوثي على طابة ونويبع لمحاولة جرّ مصر للحرب والأردن الى المواجهة، والاستفزازات ستستمر على مصر لأن التوقيت الحالي هو المناسب لتمكينها من تقديم شيء الى شعب غزة، فضلاً عن محاولة جرّ المصريين الى الحرب، والتالي هذا الوضع سيشغل الأردن الذي سيشغل بدوره المملكة العربية السعودية مباشرةً من خلال التهديد على حدود اليمن لتشتيت المنطقة ومصر في مشكلات عدة، فضلاً عن مشكلات اقتصادية غيرها تعاني منها مصر، بالإضافة الى ما تواجهه هذه الأخيرة من ضغوط من المتآمرين عليها من الخارج من كافة الأطياف، والمتكالبين عليها واستفرادها لإخراجها كقوة عربية حتى يأتي دور المملكة العربية السعودية بالاستفراد بها والانتقام من العقوبات في موضوع النفط في الفترة الماضية.

مفاوضات ” حماس” لتصفية القضية الفلسطينية

الغاية النهائية من كل هذه المخططات هي ضمان هيمنة واشنطن على النفط وإخراج الصين من المنطقة نهائياً في ظل هذا السيناريو الإقليمي المستعر، لذلك أدركت حماس أنها فقدت كل شيء وانتهت “ككارت لعب” ويُراد إحراقه، لذا نراها تدافع عن نفسها ووجودها من خلال الهروب الى الأمام، مع استنفاد كل ما تملكه من قوة وسلاح وعزيمة، فالرسالة وصلتها بوضوح تام بأن الجميع، من حلفاء وأصدقاء مفترضين، قد تخلّوا عنها .
وانطلاقاً من هذه المعطيات، وبحسب المعلومات المتقاطعة وتحليلها، يمكن القول إن المرحلة المقبلة القريبة جداً ستشهد انفجار خلافٍ كبيرٍ داخل حماس بين الجناح السياسي والفصائل المقاتلة، فحماس بدأت تخوض مفاوضات مقابل كل ما حدث ومقابل تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء مسألة غزة، وقد بدأت تدرك الخطأ الاستراتيجي المميت الذي ارتكبته بإعطاء ظهرها للعرب الذين عرضوا في مرحلة ما مساعدتها ودعمها وتمويلها، في مقابل التخلي عن إيران الا أنها لم تأبه، وها هي اليوم تبدأ بجني الخيبات.
وللتذكير فإن الرياض كما أبو ظبي قامتا منذ سنوات بدور مهم حاولتا من خلاله توحيد الفلسطينيين في مكة لإنهاء الصراع الداخلي بين الضفة والقطاع، لكن المساعي باءت بالفشل مع تفضيل حماس الحضن الإيراني على الحضن العربي.
الخلاف اذاً داخل “حماس” مرشح للتصاعد في وقت تشغل حماس الجبهات العسكرية السياسية والتفاوضية كافة من أجل الحصول على صفقة تضمن لها ولقياداتها خروجاً آمناً لها وحفظ أموالها وعدم التعرّض لها.
هذا ما يحدث اليوم، فاللعبة انكشفت وحماس تضيف الى خطأها الاستراتيجي خطأاً آخر لا يقل خطورة وأهمية ألا وهو تهديدها للدول الداعمة لغزة وشعبها مثل الإمارات التي سجّلت موقفاً مهماً جداً في مجلس الأمن لصالح غزة، فيما حماس هدّدت الكويت والسعودية ومصر في الوقت الذي تستضيف فيه قمة دول خليجية قواعد أميركية، ولم تتعرّض لأي تهديد لأن ثمة مَن يدعم حماس والشعب الفلسطيني .

حماس أولى تنازلات إيران لواشنطن

ما هو المتوقّع نتيجة هذا اللعب المتبادل بين واشنطن وطهران : بحسب المعلومات المتقاطعة من اكثر من مصدر ديبلوماسي مراقب وموثوق، ستُقدم إيران كدفعة أولى لواشنطن على التنازل عن حماس، ومن ثم في دفعة ثانية، تتنازل عن حزب الله من دون التنازل عن الحوثي والحشد الشعبي في اليمن والعراق، لا لشيء الا لكون حماس تخدم إيران في فلسطين مع إسرائيل وتستخدم حماس لمصالحها نظرا للصفقة التي تتحقق حالياً وقوامها : رفع العقوبات عن إيران وتحرير مبلغ عشرة مليار كدفعة أولى من أرصدة طهران المحتجَزة والسماح لها باستيراد قطع صواريخها البالستية وتطوير تصنيع ترسانتها المسلحة … صفقة مهمة تضحي من أجلها بحماس من دون أي خجل أو وجل.

المعادلة الخادمة لمصالح إيران

حزب الله من جهته تنطبق عليه نفس المعادلة الخادمة لمصالح إيران في المنطقة، بحيث أن ما تملكه إيران من نفوذ في سوريا مثلاً واليمن يسمح لها بالتضحية بحزب الله، فالحوثي والحشد أهم لطهران من لبنان، لأن لعب إيران مع واشنطن والغرب يتناول بالأولوية الخليج والمنطقة العربية، وورقتها التي تتمسك بها هي الحوثي وفي الجهة الأخرى ميليشيا الحشد الشعبي في العراق والذي تسيّره طهران باتجاه الأردن .
دعونا نقسم ميليشيات إيران الى قسمين : قسم سريع الحرق وآني وقسم يهدمها على المدى البعيد.

إيران وأميركا وآسرائيل في خندق واحد

المنطقة اذاً دخلت لهيباً كبيراً يطهو بين جمره صفقة كبرى على نار دماء غزة البريئة وبآوانٍ أميركية مبطّنة لتغيير المعادلات العقليمية والدولية وضرب أي تأثير أو نفوذ غير النفوذ الأميركي بتخادم جيو سياسي متبادَل بين واشنطن وطهران على أشلاء القضية الفلسطينية التي تتم تصفيتها على مراحل، فيما
الأردن على أبواب مذابح مع الفلسطينيين لحظة نزوح الضفة نحوه، ومصر مهدّدة بأعداد من فلسطينيي غزة الذين سيدخلون سيناء ويزعزعون أمن مصر واستقرارها …
إنه السيناريو الذي تكلمنا عنه مراراً منذ أشهر عدة، وها هو وللأسف بدأت فصوله أمام أعين المنطقة والعالم تتحقق … إيران وأميركا وإسرائيل في خندق واحد … فحقناً للدماء لو يوصلوننا الى حيث يريدون ويخططون من دون سفك دماء ومزيد من الدموع …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: