عندما يكون نتنياهو عدو إسرائيل الأول

654915a342360464ed693ca0

مع دخول حرب غزة شهرها الثاني، وتنامي التساؤلات حول مصيرها ومصير المنطقة بأسرها بسببها، يحين وقت جردة حساب أولى حول الذي حصل ويحصل وآفاق أي تسوية أو حلٍّ سياسي بعد كل الذي جرى ويجري وسوف يجري في الأيام والأسابيع المقبلة.

نتنياهو لم يتعلّم شيئاً من الحروب السابقة

نبدأ بالإشارة الى أن إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو عزمه على تولّي الرقابة الأمنية العامة في القطاع يثير التساؤلات التي من أبرزها عدم تعلّم نتنياهو شيئاً من الحروب الأربع السابقة مع القطاع، فهذا الإعلان إن كان يعني شيئاً فهو يعني بالدرجة الأولى رغبةً بضم القطاع لإسرائيل، وهنا ترتسم معالم الخطر الأكبر إن لم يتم ثنيه عن مثل هذه الخطوة.
الواضح الى الآن، وبعد مرور أكثر من شهر على الحرب، وجود عجز ما لدى الجانب الإسرائيلي على استخلاص العبر من التاريخ ومن الحروب الأربع السابقة مع الفلسطينيين.

سياسية الاستيطان من شأنها إشعال حرب في الضفة

ففي خلال تلك الحروب الأربع، زاد العنف مرةً بعد مرة ومعه زاد الخطر أكثر فأكثر على إسرائيل، وقد آن الأوان لتفتح حكومة نتياهو عينيها لقراءة الحقيقة كما هي، حقيقة أن حكومة بنيامين نتانياهو وهو نفسه فشلوا في السابع من شهر تشرين الأول الماضي بتأمين حماية الشعب الإسرائيلي، تاركين “حماس” تنقضّ على الشعب الإسرائيلي لساعات، وهم في ذلك يتحمّلون كما نتيناهو نفسه مسؤوليةً مباشرةً عن ما ارتُكب في حق شعبه. كذلك تجلّى الفشل في تشجيعه سياسة استيطان لا تزال جارية حتى الساعة في الضفة الغربية ومن شأنها إشعال حرب أخرى في الضفة اذا ما استمر تمادي المستوطنين المتطرّفين في الاعتداء على أبناء الضفة.

القوة لا تضمن أمن شعب بكامله

اذا نجح نتياهو بتشكيل حكومته اليمينية المتطرّفة الأخيرة، فهو قد نجح لأنه أقنع الإسرائيليين بأنه الضامن لحمايتهم وتشكيل حكومة تلتزم تلك الحماية، الأمر الذي سقط كلياً في السابع من تشرين الأول، ضارباً بذلك جوهر العهد الذي قطعه للإسرائيليين.
فالقوة لا تبني سياسة أمنية قوية وناجحة، والأهم أنها لا تضمن أمن شعب بكامله، وهذا ما يجب على الإسرائيليين فهمه واستيعابه اليوم بعد كل الذي يجري بينهم وبين الفلسطينيين، فالمزايدة على القوة والرهان عليها لن يوصلا إسرائيل الى برّ الأمان، لأن لا القوة ولا الانتقام يوصلان الى السلام إذ إنه يتحقق بالعدالة، وتلك العدالة ليست موجودة للأسف منذ سنوات لا بل عقود، فماذا تفعل حكومة نتيناهو بدل ذلك؟

حكومة نتنياهو والمعارك الثلاث

هي تخوض ثلاث معارك في آن واحد : معركة القصف الجنوني على الشعب الغزاوي والأبرياء والآمنين والأطفال بحجة أو بهدف إلغاء حماس، ومعركة ثانية هي معركة الحصار التي تطرح أكثر من إشكالية بموجب القانون الدولي حول جرائم الحرب والجرائم ضد البشرية، أما المعركة الثالثة فهي التي ستُخاض في المستقبل القريب وقد بدأت فعلياً في مناطق الساحل الغزاوي ومناطق شمال شرق وشرق القطاع، وهي معركة التوغّل البرّي والتقدّم الميداني داخل القطاع، والتي ستكّلف الطرفين الكثير، لكن بالتأكيد أكثر بكثير لحكومة بنيامين نتنياهو سياسياً، بحيث بدأ الحديث في إسرائيل عن ضرورة إجراء انتخابات عامة خلال تسعين يوماً بعد انتهاء الحرب.

نتنياهو و”وهم” السلام

من هنا، فإن أول ما تواجهه الحكومة الإسرائيلية الحالية هو منطق تفكير خاطئ جلي للمجتمع الدولي، هذا المنطق الذي يقوم على مبدأ استهداف مدنيين وللأسف.
نعم يحصل أن يذهب أبرياء مدنيون ضحايا هذا الاستهداف في ما يُعرف في لغة الحرب ب”الأضرار الجانبية”، هذه الأضرار ليست مفاجئة بل مقدّرة ومعروفة مسبقاً ومقرّر تحمّلها من قبل الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية.
وما يحصل على الأرض والمسؤوليات التي تنجم عن الجرائم والمجازر متروك الحكم عليه للتاريخ والمؤرخين، أما راهناً فالمهم والطارئ والعاجل هو إيقاف دوامة العنف والسماح لكل من إسرائيل والفلسطينيين العيش بسلام، وما عدا ذلك ذرّ للرماد في العيون إذ إنه وهم سلام ممكن، وإسرائيل من خلال نتنياهو وحكومته يحفرون لإسرائيل من خلال هذا النوع من الحروب التي لا تعود لا مركّزة ولا متناسبة خصوصاً في حق الفلسطينيين.

نعم لوقف إطلاق النار وتثبيت هدنة إنسانية

اذا كان لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها إلا أن هذا الحق يقف عند حدود عدم القتل المجاني لأبرياء وسكان مدنيين … لأن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، حتى لو استخدمتهم “حماس” دروعاً بشرية لا يؤدي إلا الى نتيجة واحدة: مزيد من الحركات والعناصر الإرهابية المستقبلية مع قتل كل طفل وكل إمرأة وكل مواطن فلسطيني آمن، وبالتالي ما تصل اليه حكومة نتياهو هو تماماً عكس ما تريده وتعلن العمل عليه .
من هنا، ضرورة تغيير بنيامين نتانياهو استراتيجيته وذلك لا يكون بالقتل العشوائي والوحشي للآمنين والأبرياء الفلسطينيين بل باتخاذ إجراءات مختلفة، فالمجتمع الدولي حالياً يعمل على وقف لإطلاق النار وتحقيق هدنة إنسانية، والرئيس الأميركي جو بايدن طلبها مباشرةً وصراحةً من نتنياهو في اتصال جرى بالأمس بين الرجلين.

أول الرهائن الشعب الفلسطيني المحاصَر

غزة محاصرة وبالتالي فإن أي هدنة إنسانية لن تسمح لجماعة “حماس” والجهاد والقسّام باستغلال الهدنة لتحسين مواقعهم وتذخير سلاحهم كما يدّعي نتانياهو طالما أن القطاع برمّته مغلق ومحاصَر .
أما بالنسبة لمسألة الرهائن الشائكة فيجب أن لا ننسى أن عند كلي الطرفين رهائن، أولهم الشعب الفلسطيني المحاصَر، سواء من جيش نتنياهو أو من “حماس” نفسها، والأخيرة ليست مهتمة كثيراً بمصير الشعب الفلسطيني كما لا يهمها كثيراً أمر تحريره من جيش الاحتلال، وقد سبق لنا أن كتبنا بأن “حماس” ليست حتى فلسطينية العقيدة بل إخوانية، وبالتالي يخطىء نتنياهو عندما يربط وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية بتحرير الأسرى المختطفين الإسرائيليين، وهو في مثل هذا الموقف لا يمسّ “حماس” غير المكترثة بشعب غزة وهي لم تعد له ولو ملجأ واحداً لتقيه شرور الحرب ومأساتها، وبالتالي فإن مثل هذا المنطق يعني الوقوع في الحلقة المفرغة وحوار الطرشان .

على إسرائيل الاستماع والإنصات الى المجتمع الدولي

من هنا، يجب على إسرائيل أن تبادر للمرة الأولى الى القيام بأمر لم تفعله طوال وجودها : الاستماع والإنصات للمجتمع الدولي والتخلّي عن الاستراتيجية الأمنية التي أثبتت في السابع من تشرين الأول الماضي عجزها وفشلها عن حماية أمن إسرائيل .
الشعب الإسرائيلي يدرك منذ السابع من تشرين الأول أن لا شيء سيكون كما في السابق، وبالتالي ومن أجل كسر هذه الحلقة الجهنمية من العنف والانتقام هناك إجابة واحدة متبقية : العدالة، هذه العدالة التي لا تمرّ الا بحوار إسرائيلي- فلسطيني، أما الهدنة الإنسانية فقد تكون فرصة لنتياهو وحكومته لمراجعة أهداف حربهم لأن الأهداف المعلنَة حالياً تجاورت بكثير المبرّرات النبيلة بالنسبة الى إسرائيل، وهي في كل الأحوال ليست واقعية كالقول بالقضاء على “حماس” في الوقت الذي تتجذّر فيه سوسيولوجياً داخل نسيج الشعب الفلسطيني في غزة كما في الضفة، وبالتالي من المستحيل القضاء على “حماس” بينما في المقابل يمكن لإسرائيل أن تقضي على قادة “حماس” المسؤولين عما حدث في السابع من تشرين الأول الماضي لا أكثر من ذلك، فالمعادلة العسكرية ليست لمصلحة شعب غزة .

إسرائيل وحكومة نتنياهو يكذبان

يكذب نتنياهو وحكومته عندما يعتبران أن ما يحصل دفاع شرعي عن النفس كما يكذب حين يقول إن الجيش الإسرائيلي يردّ بدقة واستهداف محسوب على مقاتلي “حماس” والدليل القتلى والجرحى من أطفال وشيوخ ونساء وأبرياء فلسطينيين .
الردّ الإسرائيلي على ما جرى في السابع من تشرين الأول غير متناسب وغير مضبوط، ومع ذلك تعتبر إسرائيل أنها لا تستهدف الآمنين والشعب الغزاوي، وهي تكذب في ذلك أيضاً، من هنا فالأفضل يبقى التزام إسرائيل وقف إطلاق النار و هدنة إنسانية لتستطيع حكومة نتياهو، لو أرادت بصدق وحفاظاً على أمن وسلامة إسرائيل نفسها كما تدّعي، بدء دراسة برنامج خطوات مستقبلية منها إدارة موقتة للقطاع وبالتالي عدم العودة الى منطق الحكم الأمني للقطاع، فالتجربة فشلت منذ أربع حروب الى الآن، ولا يبدو نتنياهو مقتنعاً بالحياد عنها .

نسف التطبيع والتقارب السعودي – الإيراني

يبقى أن الأهم والضروري بعد كل هذا، التوصّل الى استئناف قطار الحل السياسي الذي لا يكون إلا بإعطاء الشعب الفلسطيني أرضاً ودولةً، وهو ما يحمي إسرائيل ومصالحها لأن الدولة الفلسطينية العتيدة الى جانب إسرائيل تشكّل ضمانةً للأخيرة، لوجود سلطة شرعية مسؤولة قادرة على الالتزام وعلى تنفيذ التزاماتها بالسلام،
تلك الدولة الفلسطينية يجب أن تضم الضفة الغربية وقطاع غزة مع ممر بينهما والقدس الشرقية من دون مواربة، الأمر الذي لا يزال نتنياهو يرفضه مفضِّلاً الحرب لإبعاد الاستحقاقات كافة، سواء الشخصية أو العملية أو السياسية، وهو بذلك يلاقي “حماس” وفروعها حيث الحرب والدم وسيلتهم الوحيدة للبقاء والاستمرار، فالسلام نقيض وجودهم من هنا فهم ينسفون التقارب السعودي- الإسرائيلي كما يجهدون في منع التطبيع الذي سيحصل في نهاية المطاف.
على أوروبا والولايات المتحدة التدخّل لإقناع نتنياهو بهذا الحل و هذه الخطة لأن لا مفرّ منها ولا يمكن لنتنياهو وحكومته المتطرّفة الذهاب الى أقصى الخيارات العسكرية والأمنية التي لا تتحمّل واشنطن أولاً تداعياتها سياسياً واستراتيجياً لأن هذا الأمر سيفجّر المنطقة ولا يفيد إسرائيل في شيء بل سيزيدها تهديداً وضعفاً ووهناً،
وبهذا المعنى … فإن بنيامين نتنياهو بسياساته الحالية تجاه غزة والشعب الفلسطيني هو عدو إسرائيل الأول …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: