يبدو أن حقيقة معادلة “ما قبل ٧ تشرين الأول” ستكون مختلفةً عما قبله في المنطقة، باتت راسخةً وتتظهّر خيوط الآتي يوماً بعد يوم انطلاقاً من تطورات “طوفان الأقصى” وتداعياته.
هذا الطوفان الذي يتحوّل مع مرور الأيام الى طوفانٍ من نوع آخر، يحوّل معه المنطقة ويعيد تشكيلها بصورة دراماتيكية على وقع الصواريخ والمسيّرات من كل حدب وصوب، ومن دمار غزة ومعه دمار ما كان عليه الشرق الأوسط قبل ٧ تشرين.
فصل جديد من فصول إعادة التشكيل
فلنكنْ صريحين من خلال هذه الأسطر لأن الصراحة تساعدنا على وضوح الرؤية، والوضوح في الرؤية يساعد على المواجهة سواء قبولاً أم رفضاً،
فالمنطقة العربية تتعرّض حالياً لفصل جديد من فصول إعادة التشكيل، لكن هذه المرة على نار تحديد المصير الحامية.
ما قبل “طوفان الأقصى” كانت إيران الخاسر الأكبر، أما بعده فإيران هي المنتصرِة أميركياً.
وفي ١١/٩ كانت إيران هي المستفيد الأكبر فيما المنطقة كانت الخاسر الأكبر، وبالموازاة فإن
إحتلال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت أدى الى تضرّر المنطقة فيما إيران كانت المستفيد الأكبر .
وفي ٧ تشرين، كانت إيران المستفيد الأكبر فيما المنطقة هي الخاسر الأكبر .
ضربات مدروسة لا تُسقط نظام الملالي
واشنطن لا تزال تعتبر طهران جسرها الى المنطقة، بحيث لا يمكنها هدمه لكن يمكنها التصادم معه وضربه ضربات مدروسة لا تُسقط حكم الملالي لكن تؤذي أطرافاً من الشعب الإيراني وتُشيع أجواء ضاغطة على الملالي ونظامه من الداخل، فمهما اختلفت واشنطن مع طهران إلا أن نظام الملالي لا يسقط إلا اذا وجد الأميركيون بديلاً أفضل منه، لأن
سقوط النظام الإيراني الحالي يُسقط وسائل الضغط على المنطقة، فالقوى غير الشرعية المتواجدة فيها من ميليشيات وسواها للضغط على الحكومات الشرعية تسعى من خلال هذا الضغط الى فرض سياسات تريدها واشنطن، وهنا دور حزب الله والحوثي وحماس والحشد الشعبي وسواهم من قوى غير شرعية إيرانية الولاء وخادمة لمخططات الأميركيين .
تقاسم المغانم بين طهران وواشنطن
حتى من دون تنسيق مباشر بينهما الا تقاسم المغانم بين أميركا وإيران جارٍ على قدم وساق، فكل طرف يعلم ما هي حصة الطرف الآخر ولو أنهما في صراع ومنافسة بينهما، والنتيجة أنه متى أخذت حصتها انتهى التصارع وانتهت معه المنافسة، علماً أن
توزيع المغانم يراعي إراحة إسرائيل بالطليعة، وإيران متى نالت مكاسبها بإمكانها التصرّف بها كما تشاء، فلا يضرّ إيران أن تأخذ أميركا أجزاء من المنطقة، وتسيطر عليها وتعطي الباقي من فلسطين لإسرائيل وأجزاء من مصر والأردن ولبنان وسوريا مع حفظ حصة التركي …
المرشد الأعلى برنار لويس
الحوثي مهمته تقسيم اليمن وإشغال المملكة العربية السعودية دولة الإمارات،
أما حزب الله فمهمته تقسيم لبنان وفتح جبهات في سوريا متى يُطلب من
حماس تقسيم فلسطين والضغط على مصر في غزة، فيما الحشد الشعبي في العراق مهمته تقسيم العراق،
وبشار الأسد ونظامه مهمته تسهيل تقسيم سوريا
وخلق ظروف مناسبة لإحلال هذا التقسيم .
المرشد الأعلى في كل ذلك المخطط ليس علي خامنئي في طهران بل برنارد لويس الذي طرح في الثمانينيات مخططاً متكاملاً لتقسيم المنطقة، مرقِّماً المناطق وفق خريطته المشهورة لتمزيق العالم الإسلامي .
تقسيم دول وإلغاء أخرى
على أرض الواقع، تحقق جزء من هذا المخطط بدءاً من العراق الذي قُسّم الى ٣ دويلات : الشيعة في الجنوب، السنّة في الوسط ودولة كردية في الشمال، ومن ضمن المخطط إلغاء دول وإنشاء أخرى وتقسيم بعض من الموجود مثال لبنان المرشّح للتقسيم بين دولة مسيحية وأخرى سنّية وأخرى شيعية رغم صغر حجمه، في مقابل إعطاء الأخوان المسلمين حوالي عشرين دولة من تلك الموجودة حالياً أو التي ستُخلق بفعل تقسيم دول حالية.
السلفيون لهم حوالي ٥ دول وللعلمانيين عدد آخر من الدول، كي يستمر الصراع بين هذه الدويلات بحسب مصالح الدول الكبرى وتوقيتها .
دخول التاريخ والخروج من الجغرافيا
حماس دخلت التاريخ وخرجت من الجغرافيا، فهي نفّذت بنجاح ما طُلب منها وسيأتي وقت مطالبتها بمفاتيح غزة لتذهب الى حيث ألقت رحالها أم قشعم.
الأرض مقابل “طوفان الاقصى” …
وشعب غزة سيُحشر في حدود سيناء المصرية، وتدمير مستشفياتها لا سبب له إلا إجبار الغزاويين على الذهاب الى مصر للاستشفاء، وبالتالي كل عائلة لديها مصاب ستذهب الى مصر بعد تضييق سبل الحياة .
أما مصر فستقاوم هذا المخطط وهي تقاومه حالياً ولكن … الى متى خصوصاً وأن ليس أمام الشعب الغزاوي إلا هذا الخيار كي لا يموت ويُباد …
فالأخلاق قد تهزم مصر …
الأخوان المسلمون بقضّهم وقضيضهم منغمسون في التآمر،
القاعدة والحوثي وحماس وكل الأحزاب التي تدير المشهد المالي سواء في الخفاء أو العلن، هي جميعها المحرّك لتنفيذ المخطط الأسود وهي متحالفة على إسقاط منطقتها وأنظمتها من خلال تنفيذ أجندة إيران، حتى آسرائيل بنفسها ضالعة في تقسيم الفلسطينيين كما بات معلوماً، وهي نفسها المستفيدة من تفتّت المنطقة وسقوطها إرباً إرباً بإيد الأحزاب الموالية لإيران .
الموساد الإسرائيلي وتعطيل منظومات الرقابة
الرئيس السابق دونالد ترامب فضحَ المستور منذ أيام حين اعترف أن إيران نسّقت مع الإدارة الأميركية لضرب القواعد الأميركية إثر اغتيال قاسم سليماني … فالموساد الإسرائيلي هو الذي عطّل منظومات الرقابة الحدودية ليل ٦ و٧ تشرين الأول، وحماس دمّرت ما كان سيُعطى للفلسطينيين بفضل السلام السعودي- الإمارتي مع إسرائيل، وعلى سبيل المثال إعادة أصحاب أراضي سهل القاعون بفلسطين الى أراضيهم بعد ٤٦ عاماً، وإعادة السعودية مناطق وأراضي غلاف غزة الى الفلسطينيين …
صفقة إقليمية وسقوط غزة
النتيجة بعد طوفان الأقصى التي تحققت وتتحقق فصولاً بفضل هذا الطوفان : صفقة إقليمية كبرى تُبرَم … تغيّر حال إيران … ضياع المنطقة … وسقوط غزة، علماً أن
غلاف غزة التي تُعرف ب إهراءات فلسطين وإسرائيل” معاً كانت تزود إسرائيل بنسبة ٧٥./. من المحاصيل الزراعية هدا الغلاف اليوم تتعرض مساحاته لعمليات عسكرية ما يؤثر سلبا على الامن الغذائي للفلسطينيين والاسرائيليين على السواء .
وقاحة الإيرانيين وتعنّت الأميركيين
بعد غزة، سيأتي دور مصر والأساطيل الأميركية والأطلسية موجودة للإشراف على التنفيذ وأي ضربة أميركية- إيرانية أن تسقط نظام الملالي مهما اشتدت العمليات الأميركية، فالإيرانيون ورغم تعرّضهم للضرب الأميركي يملكون من الوقاحة والضمانات ما يجعلهم لا يأبهون لمصير نظامهم طالما أن حصصهم ومكاسبهم محفوظة، ورغم أنهم يحاولون المطالبة بالمزيد حتى الساعة .
أما أميركياً، فما حصل منذ ٧ تشرين أسقط قدرة المملكة العربية السعودية على التحكّم بأوراقها في المنطقة، فواشنطن قبل ٧ تشرين كانت تتوسّل الرياض أما بعد ٧ تشرين فلم تعد بحاجة الى السعودي، وقد عادت أوراق اللعبة بيد إيران، فهل يؤسس هذا التحوّل لسلام إسرائيلي- سعودي على نار حامية من خلال معادلة جديدة هي العودة للتهدئة في مقابل السلام الشامل ؟ ولعودة الصين وروسيا الى الخليج من بوابة الرياض على نار حامية أيضاً ؟
المهم أن واشنطن لم تعد تحتاج للتنازل للرياض كما كان الأمر قبل ٧ تشرين، والرياض ما بعد ٧ تشرين فقدت اتفاقاً كان سيحقق للفلسطينيين أكثر بكثير مما حلموا به، فجاء الطوفان ليغرقهم ويحرمهم من حقوقٍ أين منها الحقوق التي يمكنها بعد اليوم الحصول على فتاتها .
الرياض ستعود آجلاً أم عاجلاً الى السلام مع إسرائيل، لكن هذه المرة القضية الفلسطينية هي الضحية الأولى … والنهائية … فهل يُشكر الطوفان ؟