في حديث خاص لموقع LebTalks، رأى الكاتب والمحلّل الجيو سياسي جورج أبو صعب أنه، وعلى الرغم من الضبابية المحيطة بالوضع في فلسطين نتيجة حرب غزة وتداعياتها على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، إلا أن المؤشرات المتوافرة منذ أيام، ولا سيما من جانب دول وتجمّعات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، وحتى من واشنطن على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، كلها توحي بأن ثمة قناعةً باتت راسخة لدى المجتمع الدولي بأن ما حصل ويحصل في فلسطين يجب أن يؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية، سواء كاملة السيادة أو منقوصة السيادة (كما في ما لو كانت منزوعة السلاح)، ويبدو أن رُبَّ ضارةٍ نافعة إذ وبشكل غير مباشر شكّلت حرب غزة صدمة إيجابية لدى هذا المجتمع الدولي نتيجة تلمّسه الوضع العبثي وغير المريح، لا لإسرائيل ولا للفلسطينيين بفعل تقاتلهم وخيارات الدم والدمار .
وتابع أبو صعب رداً على سؤال بأن حرب غزة يجب أن تكون فرصة للدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الشقيقة، كي تستعيد المبادرة باتجاه حل الدولتين خصوصاً في ظل توفّر ظروف ملائمة ترتسم يوماً بعد يوم وفق الآتي :
- أولاً : الوضع الديمغرافي حيث أن الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة أثبتت للإسرائيليين أن بلدهم غير آمنٍ وغير مستقرٍّ، إذ فضلاً عن الأزمات السياسية التي كانت تعصف في الداخل الإسرائيلي قبل حرب غزة وبروز حركات عصيان وتمرّد نوعي لم تشهدها إسرائيل سابقاً، جاءت حرب غزة لترسّخ الاعتقاد الجماعي بأن لا مجال للعيش في بلدٍ آمنٍ ومستقرٍ إن لم تتوفر “جِيرة” ومحيط مسالمين، واقتصادٍ متنامٍ وجسمٍ سياسي ذات مصداقية ونضوج بعيدٍ عن الفساد، وقد سُجّلت ولا تزال حركات هجرة أعدادٍ من الإسرائيليين واليهود بلادهم منذ ما قبل ٧ تشرين الأول، فيما تُسجِّل الإحصاءات الرسمية الأممية أن أكثر من 70% من الإسرائيليين مزدوجي الجنسيات، وهم من جهة أخرى يتناقصون داخل أراضي 1948 بسبب ضآلة الولادات بنسبة حوالي 2 بالألف، مقابِل تنامي عدد الفلسطينيين بنسة 4.6 بالألف داخل الخط الأخضر، مع الإشارة الى أن
الإسرائيلي عموماً تهمّه حياته بالدرجة الأولى مهما تعاظمت الإغراءات للمجيء الى إسرائيل .
من هنا، فإن العامل الديمغرافي يضع إسرائيل أمام معادلة حتمية بقرب سقوطها إن لم تقم بالاعتراف بدولة فلسطينية، ما من شأنه أن يجعل إسرائيل تحيا بسلام ومن دون أية أخطار تتهدّدها، وبالتالي فإن هذا الأمر سيسمح باستقطاب المزيد من المهاجرين وتحسين اقتصادها وتعاون الطبقة السياسية مع محيطها . - ثانياً : الظرف المؤاتي الثاني، بحسب أبو صعب، هو سقوط محور الممانعة وفشله في القيام بما وعدَ وتوعّدَ على مرّ السنوات الماضية، وقد ظهرَ الفشل الذريع لإيران ووكلائها من خلال فشل “وحدة الساحات” وميليشيات إيران، الأمر الذي أثبت ما قلناه على الدوام من أن هذه الميليشيات، من العراق الى لبنان مروراً باليمن وسوريا، لم يكن هدفها تحرير فلسطين بل حماية نظام الملالي في إيران وتنفيذ أجنداته الإقليمية بالدرجة الأولى والأخيرة.
ومع سقوط محور الممانعة في امتحانه، إنهارت المراهنات الفلسطينية على إيران مهما قيل ويُقال من هنا وهناك، فإيران لم تواجه إسرائيل ولم تدع وكلاءها يواجهونها، وبالتالي سقطت مقولة “محو إسرائيل” ورميها في البحر . - ثالثاً : معسكر السلام الدولي والإقليمي والفلسطيني يتعزّز يوماً بعد يوم في مقابل سقوط التطرّف، سواء في إسرائيل أو في فلسطين، فصراع الديوك في غزة بين اليمين الإسرائيلي والتطرّف الإسلامي المتمثّل بالفصائل الفلسطينية ذات العقيدة الأخوانية سيؤدي الى سقوط الطرفين وانهيارهما معاً لصالح قوى الوسطية والاعتدال لدى الجانبين.
الإحصاءات الرسمية الإسرائلية بحد ذاتها تؤكد أنه في الأسبوع الأول من ٧ تشرين الأول كانت نسبة التأييد للقضية الفلسطينية 69% فيما بلغت نسبة المؤيدين لإسرائيل دولياً 39%، ومع مرور الوقت وتعاظم الحرب وويلات الحرب على غزة ارتفعت نسبة المؤيدين للقضية الفلسطينية في العالم الى 95%.
وردّاً على سؤال، إعتبر أبو صعب أن الرأي العام الدولي مارسَ هذه المرة دوراً كبيراً ومؤثراً على الحكومات باتجاه الضغط عليها لوقف الانحياز الأعمى لإسرائيل، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً جداً في تغيير اتجاهات السياسات العالمية، من واشنطن الى أصغر دولة كانت معروفة بوقوفها الى جانب إسرائيل التي ظهرت في الشهرين الأخيرين بأبشع صورها كقاتلة لأطفال غزة، من هنا فإن وقف إطلاق النار الموقت قد يكون مرشحاً للتحوّل الى وقف إطلاق نار نهائي وإتمام لصفقة الإفراج عن الأسرى والرهائن من الطرفين، لأن عودة الحرب ضد غزة لن يكون أبداً لصالح إسرائيل، ولن تجد مَن يدعمها لدى شعوب العالم .
وختمَ أبو صعب بالإشارة الى أنه، في ظل كل هذه الحسابات والظروف الجيو سياسية المحيطة بحرب غزة وبإسرائيل، تتهيأ أفضل الظروف للعرب لرفع سقوفهم التفاوضية وصولاً الى السلام العادل المنشود بموجب المبادرة العربية للعام 2002، لكن بتوحّدهم وبدعم الرياض في خطواتها.