ضجت في الايام القليلة الماضية وسائل التواصل الإجتماعي بنقاشات وتبادل اتهامات بين سعوديين ومصريين على خلفية خطة اعادة بناء قطاع عزة المدمر حيث عكست تلك النقاشات الحادة وجود خلاف عربي ـ عربي كبير بين محورين: محور مصري قطري تركي يريد الانغماس المكبر في عملية اعادة البناء ومحور سعودي اماراتي ينأى بنفسه في مرحلة اولى من تنفيذ اي مشروع اعماري في القطاع افله حتى انتهاء حماس وسلاحها في المعادلة الفلسطينية والغزاوية.
وزير السياحة السعودي احمد الخطيب اعلن أخيراً أن الرياض لم تتخذ بعد قرارها بشأن الاستثمارات على ساحل البحر الاحمر في مصر في منطقة تدعى رأس جميلة بعدما كانت تلك المنطقة مرشحة لبناء فنادق ومنتجعات عليها وهي منطقة بحرية خلابة مطلة على البحر الاحمر من الجانب المصري في اطار الاستعدادات السعودية لاستضافة كأس العالم للعام ٢٠٣٤.
العلاقات السعودية المصرية مرت وتمر بين الحين والآخر بفترات استرخاء وتعاون وبأخرى متوترة ومشدودة لكن كل المراقبين والمتابعين مجمعين على عدم ذهاب الامور الى الحد الذي ينشده المصطادين بالماء العكرة والراغبين في تأجيج التباينات في بعض وجهات النظر العربية لايجاد انقسامات تضر بمصالح الامن القومي العربي والعربي الخليجي.
الموضوع اذاً أكبر وأعمق من مجرد سحب استثمارات سعودية من مصر إذ إن الموضوع مرتبط ارتباطاً كبيراً ومباشراً بالصورة العامة للمشهد الاقليمي بدأ من مسألة قطاع غزة.
أولوية الرياض حالياً هي في تنفيذ استثمارات في سوريا لمنعها من الانزلاق محدداً في الحضن الايراني لذا كل الاستثمارات السعودية الحالية متجهة ناحية سوريا وقد وصعت دمشق والرياض اللمسات الاخيرة على تحويل ٦،٤ مليار دولار مشاريع سعودية في سوريا وبالتالي مصر خرجت من اجندة اولويات السعودية حالياً علماً ان الاستثمارات السعودية في مصر للاعوام الثلاثة الاخيرة ام تتجاوز ٣،٣ مليار دولار الى الآن.
الموضوع الأكبر والأعمق وهو جيو سياسي اقتصادي بامتياز وهو في أن لا السعودية ولا دولة الامارات شاركاً في قمة شرم الشيخ الاخيرة حتى ان الرئيس دونالد ترامب شخصيًا سأل عن اصدقائه السعوديين والاماراتيين خلال القمة ذاك ان لا الرياض ولا ابو ظبي مهتمتان بغزة في المرحلة الاولى من اتفاق وقف النار وتبادل الاسرى قبل سحب سلاح حماس فيما تبين ان اتفاق غزة حفظ دوراً محدداً لحماس في القطاع برعاية مصرية بشكل مباشر.
فطالما ان حماس موجودة فلا السعودية ولا الامارات سيضخون اموالاً في القطاع حتى ولو تم نزع سلاحها، فدول الخليج ترى ألا ضمانات في عدم عودة الحرب ان هم اقدموا اليوم على الاستثمارات والرياض كما الى ظبي يعتبران ان حماس المسؤولة عن طوفان الاقصى لمنع التطبيع السعودي الاسرائيلي الذي كان قاب قوسين او ادنى من التحقق.
وبالتالي لا ترى الرياض موجباً في الوقت الحالي لاعادة بناء ما دمرته حماس بنفسها بتهورها وعملياتها الفاشلة التي قضت على غزة واهلها.
الرياض كما ابو ظبي يريدان استثمارات تخدم الشعب الفلسطيني ولا تعوم حماس، من هنا نشب الخلاف العربي العربي حول خطة اعادة اعمار غزة وكل يوم يمر تبتعد الرياض عن دور لها في غزة كما ان الرياض تريد انسحاب اسرائيلي كامل من القطاع فلا أموال سعودية في ظل إستمرارية الاحتلال للقطاع.
اما دولة الامارات فانها ترى ان الدور القطري الريادي في ملف غزة واستحواذ الدوحة على كافة جوانب الملف فيما الدوحة اعلنت عن ان نجاح اتفاق انهاء الحرب في القطاع مسؤولية جماعية.
الدوحة ترى ان افضل طريقة لاحلال السلام في غزة هو في تسريع عملية اعادة الاعمار للقطاع لكن الامارات ترى ان قطر تتولى كامل الملف فلماذا يكون لابو ظبي دور فيه فلتتولى الدوحة اعادة الاعمار سيما وانو حماس لا تزال موجودة وان سلاحها لم يتم نزعه بعد.
وبالتالي ثمة خلافات بين محورين: الاول يريد الاسراع في اعادة الاعمار ويضم دولة قطر ومصر وتركيا والثاني ويضم السعودية والامارات وهما يرفضان اي استثمار قبل تنفيد بنود الاتفاق في مرحلته الاولى بازالة حماس وسلاحها اولا.
المستفيد الاول من تلك الخلافات حول اعمار القطاع يبقى الاسرائيلي وقد اعلنت تل ابيب ارسال وفداً ديبلوماسياً رفيعاً للمشاركة في مؤتمر سيعقد في السعودية تاريخ ٧ تشرين الثاني المقبل وقد وبخ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش بمناسبة مهاجمة الاخير السعودية في احدى خطبه ما حدى بسموتريتش الى الاعتذار من الرياض.
نتنياهو في لحظة سياسية حرجة بعد اتفاق غزة وهو بحاجة الى انقاذ ائتلافه الحكومي على ابواب انتخابات تشريعية وتعديلات حكومية مرتقبة ومن خلال التطبيع مع الرياض وتوسيع نطاق الاتفاقيات الابراهيمية في لحظة تلك الخلافات العربية الخليجية المستجدة.
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان سيزور واشنطن في شهر تشرين الثاني المقبل في زيارة هي الاولى لولي العهد منذ سبع سنوات.
الرياض لا تزال ترفض التطبيع الا في مقابل دولة فلسطينية.
المنطقة تتغير بسرعة والخليج يبحث عن استثمارات آمنة ومنتجة وقطاع غزة في مرحلته التجريبية الاولى المتشككة، فلا اموال لاعادة البناء من دون الرياض وابو ظبي ولا اموال خليجية الا بعد انهاء حماس كليا لضمان عدم عودة الحرب فيما نتنياهو وحكومته يلهثون وراء فرص الخلافات العربية لتمرير التطبيع المنشود مع السعودية.