ما زالت فرنسا بالنسبة للبنانيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص تمثل "قِبلةً" للعلم والثقافة والفكر وحقوق الإنسان. ما زال التزاوج والامتزاج الحضاري واللغوي ظاهراً في كل مفاصل حياة اللبناني في لبنان وفرنسا. ما زالت نوستالجيا التاريخ والعصور الذهبية تتنازع الذاكرة الفردية والجماعية في البلدين.
في المقابل، لعبت المصلحة "العليا" للدولة الفرنسية في محطات كثيرة سابقاً دوراً إحباطياً للشعب اللبناني بشكل عام وللمسيحيين بشكل خاص. اليوم، تلعب المصلحة الاقتصادية "الدنيا" لهذه الدولة دوراً مستغرَباً مستنكراً مرفوضاً في الملف الرئاسي من أجل "حفنة" من التلزيمات مقابل "رزمة" من زيف الضمانات والإلتزامات.
تأرجحت السياسة الفرنسية في لبنان من الأم الحنون للمسيحيين والموارنة الى حامية للقضية الفلسطينية الى غطاء للوجود السوري في لبنان الى الشراكة مع الأميركيين في تحرير لبنان من الجيش السوري ونزع سلاح حزب الله في القرار 1559 .
كلنا يذكر خطاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك المخيّب للسياديين وللعالم الحرّ في مجلس النواب اللبناني في 17 تشرين الأول 2002 يوم كانت العلاقة الفرنسية - السورية في شهر عسل لم يدم كثيراً، بسبب خلاف على الغاء عقد الغاز مع شركة "توتال" ليقوم الفرنسي وينتقم من السوري بعد خطأ التمديد بـ "كتابة البند الأول من القرار 1559 القاضي بانسحاب القوات الاجنبية من لبنان والمقصود ضمنا القوات السورية". هذا حسب توصيف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في رسالة وجهها الى فرنسا نُشرت في صحيفة لوفيغارو في 9 نيسان 2005 واعتبر نصرالله في هذه الرسالة "التوددية" التقاربية" مع الفرنسيين ان توليف بند انسحاب القوات الأجنبية مع بند حل الميليشيات وهو الشق الأميركي من الاتفاق ولّد تسوية جاءت لمصلحة اسرائيل وعلى حساب لبنان صديق فرنسا القديم والدائم".
وما لم يذكره نصرالله في رسالته عن سبب الخلاف الفرنسي- السوري ذكره نائب الرئيس السوري السابق الراحل عبد الحليم خدّام في مقابلة مع قناة "العربية" في 2 كانون الثاني من العام 2006 اذ ذكر ان الغاء عرض الغاز من شركة "توتال" لمصلحة شركة كندية شريكها الأساسي شركة اميركية هو سبب الخلاف الرئيسي وتوتر العلاقات وذلك لمسه خدّام شخصياً لدى زيارته لفرنسا ومقابلته جاك شيراك في 6 نيسان 2004، على ما شرح في المقابلة المذكورة. لتأتي بعدها قمة النورماندي بين بوش وشيراك في 7 حزيران 2004 وتشكّل صفّارة الإنطلاق للقرار 1559.
لأن "النفطَ بالنفطِ يُذكَر" ولأن "السياسة تصرف بالفلوس أيضاً" على ما ذكر عبد الحليم خدام في مقابلته المذكورة لقد أطلّت في 2015 مبادرة فرنسية مع الرئيس هولاند مطابقة للمبادرة التي يلعب دور البطولة فيها الرئيس ماكرون في 2023 مع نفس المرشّح سليمان فرنجية لدرجة ان هولاند اتصل شخصياً بالمرشّح فرنجية في 4 كانون الاول 2015… منطلقات "تلك" كـ "هذه" كانت تلزيم بلوكات النفط والغاز لشركة "توتال" في لبنان ودخول فرنسا من خلال "توتال" الى نيجيريا من خلال الاتاحة لها تنفيذ مشاريع استثمارية هائلة. طبعا الوسيط والعرّاب في "تلك" كـ"هذه" أيضا هو رجل الأعمال جيلبير الشاغوري وهو صديق حميم للرئيس النيجيري المنتخب حديثاً أحمد تينوبو وفي المعلومات ان الشاغوري إجتمع 3 مرات بالرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في المدّة الأخيرة وفي إحداها زار ماكرون الشاغوري في منزله.
بالمحصلة اذا نظرنا من زاوية رأس الممانعة في لبنان السيّد حسن نصرالله ان القرار 1559 "كان تسوية لمصلحة اسرائيل وضد مصلحة لبنان صديق فرنسا القديم والدائم" وهذه التسوية شاركت فيها فرنسا وسبب شراكتها بهذا القرار هو "الغاء عقد توتال" في سوريا… واذا نظرنا من زاوية السياديين في لبنان، فان تبني فرنسا ترشيح سليمان فرنجية سواء في 2015 او في 2023 هو ضد مصلحة لبنان ولمصلحة كل الدول المعادية للبنان وهذا التبنّي المستمر سببه أيضا عقود شركة توتال في لبنان ونيجيريا…
وبالـ"Total" النتيجة صفر.