“الديماغوجيّة” سياسة جوهرها خداع الجماهير وتضليلهم، إلا أن النموذج الديماغوجي الذي أرساه العماد ميشال عون يستحق الوقوف عنده مطولاً، فهو وعلى الرغم من أنه كان لا يزال رئيساً، أطلّ بخطابٍ متلعثمٍ البارحة استعمل فيه تعابير عدّة، منها المنظومة والسلطة الحاكمة، وهو ما يدل على مدى خبرته الطويلة وتطويره لهذا النوع من السياسات. والمحزن في المسألة هو منسوب “الوعي السياسي” لدى بعض المواطنين، على اعتبار أنه وجد مئات منهم يتمتعون بالوعي السياسي الكافي ليصفقوا لهكذا خطاب، متجاهلين أن من أطلّ عليهم ليتكلم عن “المنظومة” هو رئيس للدولة وبالتالي جزء لا يتجزأ منها، ومن يهاجم السلطة الحاكمة هو رأسها. كيف لا، ونجاح هذا النهج يتوافق مع تراجع الوعي ومحدودية الثقافة والعجز عن التقييم المنطقي للرسالة التي يتم تقديمها.لقد امتهن عون على مرّ تاريخه مخاطبة الغرائز ومسايرة الأحلام والأوهام الكاذبة التي لا تنهض على أساس متين، والأمثلة على ذلك عديدة لا مكان الآن لتفنيدها، فهو تمكن من تحقيق نجاح باهر في استيلاد نموذج مصغّر عنه ولكن أكثر شراهة للمال والسلطة هو رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.
الديماغوجيّة في ملف رئاسة الجمهوريّة تتمثّل في الآتي:لقد أطلّ علينا باسيل بـ”مبادرة رئاسيّة” مزعومة أراد أن يلتقي من خلالها مختلف الأفرقاء السياسيين في البلاد. فقط طرف واحد يعرف تماماً تركيبة باسيل وقد رفض لقاءه وهو حزب “القوّات اللبنانيّة”، فأطلق رئيس “التيار” فرقة الزفة التابعة له من أصحاب “العقول النيّرة” لينقضّوا على “القوّات” محاولين اتهامها بتعطيل الاستحقاق الرئاسي برفضها الحوار معهم، وبالتالي رمي مسؤوليّة الفراغ الرئاسي عليها.ولكن حبل الكذب قصير وقصير جداً، فما تمكنت “القوّات” من استشعاره وحيدة لخبرتها الطويلة مع ديماغوجيّة صانع ومعلّم باسيل الأكبر أي العماد عون، ظهر اليوم بمثابة معلومات ومصادر تضرب كل ما بناه باسيل من مبادرة وتفضح حقيقة مقاربته لملف الرئاسة في أنه يعتمد شعار “أنا أو لا أحد” ولا يريد غيره مرشحاً لقوى “8 آذار”، وهنا يمكن أن نشتّم من هذه المبادرة رداً من قبل “حزب الله” على الهجوم الذي ساقه عليه بعض نواب “التيار” في اليومين الماضيين واتهامه بحماية الفساد، وأنه سبب في عدم نجاح العهد لأنه لم يقدم الدعم الكافي لعون.