تعقيباً على تطورات الأيام القليلة الماضية في ملف المطران موسى الحاج، إعتبر الكاتب والمحلل السياسي جورج أبو صعب أن أهم ما تميزت به الأيام الأخيرة هو الفجور السياسي الذي اتصفت به تصرفات فريق حزب الله وحلفائه السياسيين وتصريحاتهم، بحيث وبدل إبداء احترام وتفهم لخصوصية مهام المطران الحاج وموقف رأس الكنيسة المارونية البطريرك الراعي، اذا بأبواق الفريق الممانع من سياسيين ونواب وإعلاميين تصعّد في مواقفها، محاولةً فرض رأيها على الكنيسة والمسيحيين، لحملهم على تبنّي وجهة نظرهم بالضغط والترهيب والتخوين وصولاً الى التطاول على الكنيسة ورأسها.
إن مثل هذه التصرفات السلبية لا تسهم البتة في تعزيز روح الشراكة الوطنية، لا بل تمعن في ضرب الوحدة الوطنية، فالعيش المشترك يُبنى على تفهّم واحترام بعضنا بعضاً لا بمحاولة إخضاع فريق لإرادة ورؤية فريق آخر بكلام حق لكن يراد به باطل من خلال استهدافات سياسية معينة، وقد بُني لبنان بصيغته التأسيسية على خصوصيات العائلات الروحية، بحيث جاء الدستور ليضمن احترام الدولة لحقوق الطوائف والمذاهب وحرياتها الذاتية، وتُرجم هذا الدستور الى قوانين مذهبية تولّت تنظيم شؤون الجماعات الروحية باحترام خصوصياتها ومعتقداتها وحرية عملها.
وتابع أبو صعب إن ما سمعناه وقرأناه وشاهدناه من مواقف خلال الأيام القليلة الماضية بموضوع المطران الحاج بالنبرات العالية واللغة الخشبية للبعض يُعتبر زرعاً للفتنة ومسّاً بمتطلبات الوئام والانسجام الوطني وشؤونهما، لأن لغة التعالي والإستبداد بحجة القانون ومقاطعة إسرائيل التي، وللمناسبة لا تتطرق نصوصه قانوناً الى حقوق الطوائف والأماكن المقدسة، ليس هدفها موضعي محصور بقضية قانونية بل تجاوزه الى ما هو أخطر الا وهو ضرب عُرض الحائط باحترام رموز مكون لبناني أساسي وتأسيسي للبنان يمثله الكرسي البطريركي.
فعلى حزب الله وفريقه السياسي أن يستوعب بأن قسماً كبيراً من اللبنانيين لا يريدون سلاحه مهما اعتبر هو ومَن يدور في فلكه أن هذا السلاح هو الخيار الأفضل، إذ عليهم الإعتياد بأن في البلد صوت آخر غير صوتهم يريد دولة القانون والمؤسسات والسلاح الشرعي والقرار السيد الحر والمستقل، فإما أن يتعايشوا مع هذه الفكرة ويتصرفوا بمقتضاها، وإما فلنبحث سوياً عن صيغة جديدة للبنان يطمئن اليها كل فريق، مع تعذّر حصول وحدة وطنية بين نظرتين للبنان لا تلتقيان.
وتابع أبو صعب تعقيباً على عظة غبطة البطريرك في الديمان صباح اليوم والتي وصفها بالمفصلية أن رأس الكنيسة جدّد التصميم الواضح على رفض المساس بالحرية التي هي في أساس وجود لبنان والمسيحيين تحديداً، ورسالة رميش لم تكن منفصلة عن هذا الجو العام من تحدي فائض السلاح ضد للبنانيين الأحرار والسياديين، وعلى رأسهم الكنيسة المارونية العريقة بتاريخها المجيد في النضال من أجل لاهوت الأرض ولاهوت الحرية.واعتبر أبو صعب أن أبرز ما تميزت به اليوم عظة غبطة البطريرك إشارتها الى نقطتين على جانب كبير من الأهمية في توقيتها وفي أبعادها : المطالبة بالكف عن تسمية المواطنين اللبنانيين الموجودين في الأراضي المحتلة بالعملاء، والنداء الموجه للدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية لحماية المسيحيين إنطلاقاً مما حصل في بلدة رميش منذ أيام، إستناداً للقرار الأممي رقم 1701.هاتان النقطتان ستطبعان، اعتباراً من الآن المرحلة المقبلة، خاصة في حال استمرار التصعيد في المواقف انطلاقاً من إصرار الكنيسة على مطالبها الأربعة المحقة.
ولاحظ أبو صعب أنها المرة الأولى التي يأتي غبطته فيها على ذكر إمكانية عدم حصول إنتخابات رئاسية، بإشارته الى عجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة، فكيف بانتخاب رئيس للجمهورية.وختم أبو صعب باستغراب تشنج الحزب وحلفائه وتوترهما حيال البطريركية المارونية، مع علمهم جميعاً ما هي البطريركية المارونية وما هو ثقلها المحلي والإقليمي والدولي التاريخي والسياسي والوطني، وكأن ثمة قرار لدى الفريق الممانع في الإنقلاب على العيش المشترك وإنهاء صيغة لبنان الميثاقية وتغليب فريق على آخر.فلبنان لا يعيش بغالب ومغلوب، ولا بفائض القوة من فريق على آخر، وفرض إرادة على أخرى، وإلا بَطُل بأن يكون لبنان، وحينها يصبح من الأفضل أن يختار كل فريق طريقه.