في قراءة مسهبة حول البيان الذي صدر بالأمس عن القمة الروحية المسيحية التي انعقدت في الصرح البطريركي في بكركي، وجّه المحلّل والكاتب السياسي جورج أبو صعب “تحية إجلال وإكبار للآباء الأجلاء، وفي مقدمهم غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي”، مثنياً على جهوده ومساعيه الخيّرة من أجل إنقاذ لبنان من الكوارث التي يتخبّط بها.
وقال أبو صعب في حديث ل LebTalks إنه، “انطلاقاً من روحية الثناء والتحية عينها، جاء بيان الآباء أمس أقل من المتوقّع صرامةً وحزماً ومبادرةً، فالتعبير عن القلق العميق تجاه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وعن تضامن الآباء مع الشعب، أمر بديهي لا أحد يمكنه الشك به، ما يتطلب الانتقال الى مرحلة ما بعد إبداء القلق لأن ذلك وحده لم يعد يكفي البلد والناس، بل المطلوب تجاوز القلق الى مبادرات جذرية كتسمية مكامن الخلل المسبّبة للأزمة بالأسماء وإدانة المتسبّبين بهذه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية”، فلا داعي لتوصيف الحالة لأن القاصي والداني يعرفان ما هي الأزمة وما هي تداعياتها الكارثية على معيشة العائلات والأفراد والوطن في المجالات كافة.”
وأضاف أبو صعب “ما يستوقفنا هو توجّه الآباء الأجلاء الى المسؤولين، وأي مسؤولين في الدولة وأية دولة، لمطالبتهم بحكم مسؤوليّتهم إيجاد الحلول لهذه المآسي التي لا تتحمّل أيّ إبطاء، وكأن الآباء الأجلاء يجهلون أن كل المصائب والازمات متأتية من هؤلاء المسؤولين الذين أثبتوا أنهم لو أرادوا إيجاد الحلول لأوجدوها منذ سنوات، فكيف للآباء الأجلاء أن يثقوا بهكذا مسؤولين للتعويل عليهم من أجل القيام بالمعالجات، وقد ذكّر البيان في الجملة نفسها بسوء إدارتهم وإهمالهم وفسادهم المستشري في كلّ مكان؟.
من هنا، ومع كامل المحبة والاحترام والإجلال، بحسب أبو صعب، فقد أتت هذه المطالبة كمَن يطالب الجلاد بالرحمة.
وحول البند المتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية، رأى أبو صعب أنه كان على البيان تسمية المعرقلين وليس التوقف عند العموميات مثل ذكر فشل المجلس النيابي، واعتبار الواقع غير مقبول لاسيما وأن المعرقلين معروفين، وعظات غبطة البطريرك الراعي في كل قداس يوم أحد تأتي أكثر وضوحاً وحزماً من كلمات البيان، فالبطريرك يسمي في الكثير من الأحيان الأمور بشكل واضح لا لبس فيه ويكون كلامه عالي السقف والنبرة بما يتجاوز مفردات هذا البيان.
وفي الفقرة من البيان التي أشارت الى أن إنتخاب رئيس للجمهورية هو مطلب كلّ اللبنانيّين وهو يعني الإلتزام بانتظام عمل المؤسّسات الدستوريّة، فلا يحقّ لأحد أن يجاذف بمصير الوطن، و”كنا تمنينا لو أن البيان ذهب الى تسمية “هذا الأحد” أو لمّح اليه كونه صادر ليس عن بطريرك الموارنة بل عن رؤساء الكنائس كافةً، ما كان سيضفي على العبارات وقعها القوي والمؤثّر” .
واذ أيد أبو صعب الفقرة من البيان التي تشير الى أن أساس الكيان اللبناني ومصدر قوّته الفريدة هو الشراكة الوطنيّة الإسلاميّة- المسيحيّة و”لنا ملء الثقة بتضامن رؤساء الطوائف الإسلامية معنا”، عبّر عن التمنّي لو دعى الآباء الأجلاء رؤساء الطوائف الإسلامية الى قمة روحية من أجل وضع الجميع أمام مسؤولياتهم في هذه المرحلة المصيرية والخطيرة من تاريخ لبنان”.
وتابع أبو صعب تعليقه بالإشارة الى أن فقرة مطالبة المجلس النيابي الإسراع في القيام بواجبه الوطني وانتخاب رئيس للجمهورية كانت من الأفضل لو سمّت الرئيس نبيه بري شخصياً ودعته لإعادة فتح دورات متتالية للمجلس الى حين انتخاب رئيس، لأن المجلس للأسف مُصادَر من الرئيس بري بحجة غياب التوافق على مرشح بناءً على مقولة وجوب التحاور المبتذلة.
أما لجهة ائتمان الآباء الأجلاء غبطة البطريرك الراعي على الإجتماع مع مَن يراه مناسباً تحقيقاً للمضمون أعلاه بما في ذلك دعوة النواب المسيحيين إلى اللقاء في بكركي وحثّهم على المبادرة سويّاً، مع النواب المسلمين وفي أسرع وقت ممكن، لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، فيشير أبو صعب الى “عدم الحاجة لاجتماع رؤساء الطوائف المسيحية لائتمان غبطة أبينا البطريرك على التواصل واللقاء مع الجميع، فهو يفعل ذلك يومياً مشكوراً وبوتيرة تصاعدية حيث يستقبل الجميع ويحاور الجميع وبخاصة النواب المسيحيين وغير المسيحيين، إلا أن قرار بعض الكتل المسيحية والنواب المسيحيين لا ينطلق من مصالح لبنان والمسيحيين بل من مصالح شخصية وفئوية وحزبية يعاني غبطة أبينا منها شر معاناة عند تواصله مع بعض هذه الكتل والنواب،
علماً أن بكركي في نشاطها غير المسبوق ومساعي غبطة أبينا البطريرك تكشف المستور والمبتور.
وختم أبو صعب كلامه بالتمني على الآباء الأجلاء المزيد من الحزم والصرامة في بياناتهم ومواقفهم، والخروج عن لغة الدعوات والمناشدات، والانتقال من مرحلة توصيف الأزمات الى مرحلة الإعلان عن تدابير جذرية في حق أي شخص أو مسؤول يستمر بالتلاعب بمصير الوطن والاستحقاقات والأزمات، بدءاً من تسميته واتهامه العلني، وصولاً الى قرار “الحرم الكنسي” بالنسبة لبعض المسيحيين المتفلّتين من الضوابط الأخلاقية والوطنية في ممارساتهم ومواقفهم السياسية والوطنية.
