أسوأ سيناريو: إنتصار “حزب الله” وخسارة لبنان!

Israeli soldiers stand guard during ongoing maintenance work along the Lebanese border, near Avivim town in northern Israel on June 13, 2023. (Photo by JALAA MAREY / AFP)

يعيش اللبنانيون في حالة من القلق نتيجة ما يحصل على الحدود اللبنانية من اشتباكات بين “حزب الله” وبعض الفصائل الفلسطينية من جهة واسرائيل من جهة أخرى، والسؤال الأساسي الذي يُطرح: هل ستقع الحرب أو ستبقى الاشتباكات في إطار “قواعد الإشتباك”؟

لا شك في أنه مهما حصل، سيكون “حزب الله” منتصراً لأن مفهومه للإنتصار يختلف عن مفهوم أكثرية اللبنانيين، فهو يعتبر أنه طالما لديه القدرة بضرب الصواريخ وإطلاق النار، يعني أنه منتصر، وبمجرد أنه يحقق المهمات التي تكلّفه بها إيران هو انتصار، وبمجرّد ان يستمر في هيمنته على قرار الحرب والسلم هو انتصار، والإحتفاظ بسلاحه هو انتصار.

أما لبنان ومصلحة شعبه فتأتي بآخر سلّم أولوياته، وهذا ليس كلاماً من العدم، إنما حصل ذلك في حرب تموز 2006، فعبارة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله “لو كنت أعلم” لا تزال في ذاكرة اللبنانيين، بعدما كلّفتهم نحو 1,200 ضحية غالبيتهم الساحقة من المدنيين ونحو أربعة آلاف من الجرحى المصابين جسدياً ومئات الآلاف من المتأذين نفسياً، وعشرات الآلاف هاجروا بلا عودة، إضافة إلى خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، ناهيك بتدمير البنى التحتية من جسور ومحطات مياه وكهرباء واتصالات ومدارج ومصانع ومستشفيات ومدارس، اضيفت اعباؤها الى الديون السابقة واللاحقة المتراكمة مع فوائدها.

وللتذكير، قتل في تلك الحرب نحو 156 جندياً إسرائيلياً و41 مدنياً، ولم يتأثر الاقتصاد الاسرائيلي بالنزاع، بل شهد بعدها قفزات نمو وتطور صناعي وتكنولوجي هائل، فيما كانت الفاتورة باهظة جداً على لبنان، انسانياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، دفعتها البلاد وجرجرت ذيولها لسنوات، على الرغم من تدفق المساعدات الخليجية خصوصاً في حينه، وما تلاها من مساندة في”مؤتمر باريس 3″ عام 2007 (الذي اجهضت نتائجه لاحقاً)، لتغطية الخسائر والنفقات وإعادة إعمار ما دُمِّر في حرب تموز بين “حزب الله” وإسرائيل بعد خطف “الحزب” جنديين إسرائيليين آنذاك، من أجل تحرير الأسير سمير القنطار الذي قتل لاحقاً في عام 2015 في معارك الحزب في سوريا.

أما من الناحية العسكرية فحقق “حزب الله” ولا نقول لبنان، بعض الإنجازات العسكرية التي تندرج في منع إسرائيل من تحقيق انتصار عسكري كامل عليه، إذ نجح في الإضرار نسبياً بالجيش الإسرائيلي، وهذا يدرج فنياً أو عسكرياً في سياق الإنجاز النسبي، ودائماً في خانة الإنجاز الحزبي والمكسب الإيراني.

في نهاية تلك الحرب التدميرية، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وهو ينظر إلى مخلّفات الحرب، إن “حزب الله انتصر”، وأضاف في التدليل على هذا الانتصار، وهو يعلق على صورة عملاقة وغير مسبوقة من حيث الحجم لنصرالله، وُضعت في بيروت وعلى الطريق الذي يصل المطار الدولي بوسط بيروت، “صورة نصرالله أكبر من لبنان”. ما قاله جنبلاط، في ذلك الحين، اختصر المشهد اللبناني بعد الحرب؛ انتصر حزب الله ونصرالله أما لبنان فقد هزم!

بعد هذه الأعوام لم تتغير الصورة، “حزب الله” ما زال منتصراً، وها هو يقارع إسرائيل على الحدود صاروخ مقابل صاروخ وضمن قواعد الإشتباك، أما لبنان فهو في مكان آخر وبالتأكيد ليس في خانة المنتصر. ولعل سرّ استمرار انتصارات “الحزب” يتمثّل في إنهاء أي إمكانية جدية، لنقل القرار الاستراتيجي لسلاحه إلى الدولة اللبنانية، وباتت الاستراتيجية الدفاعية التي تعني وضع قرار السلم والحرب في لبنان بيد السلطة الشرعية اللبنانية، كل هذا الحديث لا قيمة له في حسابات “الحزب”.

لا يختلف أثنان يفكران منطقياً بأن ما يشهده لبنان على الحدود اليوم، هو استمرارية لانتصارات “الحزب” في حرب تموز 2006، عبر انكفاء الدولة اللبنانية وتضعضعها لصالح صعود منطق الميليشيا، التي عززت من الاصطفافات المذهبية والطائفية، والتي عززت بدورها من مبررات وجودها، من نفوذ سلاح “حزب الله” الذي يرتكز في أسس وجوده على بعدين: الأول يتصل بالداخل اللبناني ويستند إلى عصب شيعي يحميه ويحتمي به، والثاني خارجي هو أنه امتداد للقوة الإقليمية الإيرانية التي أسست “الحزب” وهو ارتضى الولاء المطلق لها. فعلى الرغم من ادعائه أنه مقاومة لبنانية، إلا أنه بقي ثابتاً في ولائه لإيران محتكراً هذا العنوان، علماً أنه ليس مقاومة لبنانية ولا مقاومة اسلامية ولا حتى مقاومة شيعية إنما مقاومة لمجموعة تؤمن بالشيعية الإيرانية التي تعمل على توسيع مشروعها في الشرق الوسط والعالم.

وهنا بيت القصيد، قد يسقط لـ”حزب الله” ضحايا بالمئات والآلاف، وهذا ما حصل في الحرب السورية، ولم يكن للبنان أي مصلحة فيها، إلا ان المصالح الإيرانية شاءت ذلك، فإنغمس “الحزب” بهذه الحرب التي باتت تفاصيلها معروفة. وما يحصل اليوم على الحدود اللبنانية-الاسرائيلية مضبوط على الساعة الإيرانية وبالحجم والزخم الذي تريده إيران، فـ”الحزب” يشكّل غطاء لإيران من أجل تطوير قدراتها العسكرية، العلنية منها والسرية، بخاصة بناء مشروعها النووي والصاروخي، ويؤمّن لها أوراق تستثمرها على طاولة المفاوضات مع الأميركيين من دون أي اعتبار للمصلحة اللبنانية، فالمشروع الإيراني ومصالحه هو الجوهر، ولو دفعت أذرعها العسكرية الثمن، وقد حصل ذلك مع الحوثيين سابقاً والآن “حماس” في غزة، وليس مستبعداً أن تزجّ بـ”الحزب” في حرب مدمّرة للبنان من أجل مشروعها الكبير، كما تعمل على نشر التشيُّع في مناطق النفوذ كأرضية ملائمة لتمرير سياسات إيران العقائدية والاجتماعية.

نحن ذاهبون اليوم، على ما يبدو، إلى ما يشبه، بل إلى ما يفوق خيال الأفلام، وتراجيديا الأساطير في تكرار سيناريو الحروب والهزائم والخسائر والأوهام، ولا سيما بعد كل ما يحصل منذ اندلاع الحرب في غزة، بتوجيه رسائل حربية نوعية، وهي رسائل تتصاعد حدتها يوماً بعد يوم، وتتصاعد معها المخاوف من انزلاق لبنان إلى جهنم جديدة، ربما ستشكل ضربة قاضية لما تبقى من الكيان اللبناني الذي يصارع للبقاء منذ ما يزيد على أربعة أعوام مع بدء الانهيار المالي والمصرفي الفظيع، وغير المسبوق في تشرين الأول 2019.

اسرائيل تهدد بأن ما سيشهده لبنان و”حزب الله” إذا دخل الحرب سيفوق الخيال، ونحن مضطرون أن نصدّق هذا الكلام لأننا عشناه عام 2006. أما “الحزب” فلا شك أنه سينتصر طالما سيبقى لديه صاروخ واحده في مخزنه وفق معادلة “أنا لدي صاروخ، إذا أنا أنتصر”، لكن ما يقض مضاجع اللبنانيين هذه الأيام كيف يمكن تخيل الوقائع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، اذا أغرق “الحزب” لبنان في حرب جديدة لا تبقي ولا تذر، في وقت تئن البلاد تحت وطأة واحدة من أسوأ الأزمات المالية والمصرفية العالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع غياب أدنى مقومات الصمود والاستقرار والأمن والإستشفاء والدواء؟

لم يعد من شعرة لتقصم ظهر البعير أصلاً. فالبنى التحتية هشة ومتداعية في لبنان، وادارات الدولة كلها شبه خالية من موظفيها، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر موظّف. وثمة شبه انعدام لكهرباء الدولة وشح في المياه، واهتراء طرق ومدارس ومستشفيات وأبنية عامة، لا تتحمل صاروخاً واحداً، ولا سيما مع الضغط الهائل الذي يشكّله أكثر من مليون لاجئ سوري على مختلف الصعد، وهم باتوا يشكلون نسبة تفوق 30 في المئة من السكان في لبنان.

لا أحد يعلم إذا كان تقيّد “حزب الله” بقواعد الاشتباك هو حرص على لبنان أو تكتيتك إيراني، قد يبدّله هجوم بري اسرائيلي على قطاع غزة، عندها ستسقط كل القواعد والخطوط الحمر لأن القرار الإيراني سيطغى على المصلحة الوطنية إن وجدت! فممارسات “الحزب” تجاه مؤسسات الدولة على مدى العقدين المنصرمين تحديداً، وعدم احترامه الدستور، كبدت خزينة الدولة خسائر بعشرات المليارات، إلا أن هذه الخسائر ستبدو ضئيلة حيال خسائر أي حرب قد يورّط “الحزب” لبنان بها!

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: