إنتخابات فرنسا البرلمانية بنسختها اللبنانية...توأمة موصوفة

علم-فرنسا4-600x400

أُسدلت الإنتخابات البرلمانية الفرنسية الستارة ليل أمس الأحد على هزيمة الأكثرية الرئاسية لإيمانويل ماكرون في مقابل صعودٍ مدوٍ لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان وائتلاف اليسار الراديكالي بزعامة جان لوك ميلانشون.لم تتمكن الأكثرية الرئاسية من حصد العدد المطلوب للأكثرية المطلقة والمحددة ب 289 مقعداً بل وصل عدد مقاعدها الى 247، بينما حصد تكتل اليمين المتطرف أو ما يسمى بالتجمع الوطني بزعامة مارين لوبان 90 مقعداً في ظاهرة فاجأت حتى مناصري لوبان أنفسهم الذين كانوا يتوقعون نيل 40 مقعداً كحدٍ أقصى، فيما نال ائتلاف اليسار الراديكالي 147 مقعداً والحزب الجمهوري ويمين الوسط 68 مقعداً.هذه النتائج أحدثت صدمة كبيرة لدى حزب الرئيس ماكرون فسارعت رئيسة الوزراء اليزابيت بورن مساءً الى التصريح بأن نتائج الانتخابات البرلمانية التي فشلت في منح الغالبية لأي حزب تشكل خطراً على البلاد ...وفيما اعتبر نيل اليمين المتطرف 90 مقعداً "تسونامي" فاق التوقعات، قالت لوبان أنها وتكتلها ستكونان معارضة بنّاءةً ومسؤولةً للرئيس ماكرون وفريقه، في الوقت الذي أعلن فيه زعيم ائتلاف اليسار جان لوك ميلانشون إنهزام الأكثرية الرئاسية وانتهاءها، علماً ان ائتلافه لم ينل عدد المقاعد التي تجعله مرشحاً طبيعياً لرئاسة الوزراء المقبلة كما كان يأمل، لأن الائتلاف لم يحظَ بالأكثرية المطلوبة لذلك.

أمام هذه المشهدية الجديدة، بات الرئيس ماكرون أمام ثلاثة خيارات : إما حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، الأمر الذي من المرجح أن لا يلجأ اليه كي لا يُفسر تصرفه هذا تحدياً للشعب وإرادة الناخبين، وإما أن يتراجع عن عدد من المشاريع والمبادرات التي كان يعمل عليها لتمريرها ومنها رفع سن التقاعد الى 65 سنة، وإصلاح القدرة الشرائية وسواها من إصلاحات كان يعتزم تمريرها وهذا أمر غير وارد أيضاً للعارفين بطبيعة شخصية وأسلوب عمل الرئيس ماكرون، وإما البحث عن تحالفات موضعية بتأييد كتلة اليمين الجمهوري ويمين الوسط لتأمين الغالبية المطلقة لتمرير سياساته، الأمر الذي سيفرض عليه القبول بتنازلات، ودخوله في تفاهمات وبازارات ومساومات ومفاوضات عند كل منعطف أو اقتراح أو مشروع لجمع الغالبية المطلوبة في كل مرة.

من هنا، يمكن القول إن فرنسا تواجه، اعتباراً من اليوم خطر أن يصبح حكمها صعباً ومضنياً وأن تكثر المساومات والمحاصصات، فالرئيس ماكرون وحزبه الخاسر الأكبر مع تكوين هذا البرلمان الجديد ( الجمعية الوطنية ) وقد خسر عدداً من أكثر مساعديه إخلاصاً أمثال كريستوف كستانير وزير الداخلية السابق ورئيس تكتل نواب الأكثرية الرئاسية السابق وعدد من الوزراء والنواب الموالين للإليزيه.

انتخابات فرنسا البرلمانية أفرزت أكثريات "ضعيفة" لا تستطيع لوحدها تأمين الأكثريات المطلوبة لإقرار التشريعات، وأقليات قادرة على الخربطة إن لم تنجح التحالفات المقابلة في توحيد كلمتها وجهودها لتمرير سياساتها وتشريعاتها، بما يذكّرنا بمشهدية ما أفرزته الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة لجهة قيام برلمان الأكثريات فيه أقليات بحاجة للتآلف مع بعضها البعض لتصبح أكثرية، وأقليات متلاصقة ببعضها البعض تمكنها من إبقاء سيطرتها على البرلمان والتأثير على التشريعات وعرقلتها بالحد الأدنى.

الأيام المقبلة ستكون حافلة في فرنسا لجهة التعديلات الوزارية وربما تشكيل حكومة جديدة يعطي فيها الرئيس ماكرون اليمين والوسط المزيد من الحقائب والنفوذ لمحاربة هجمة الأطراف اليمينية واليسارية وضمان التوصل الى تحالف حكومي مع الجمهوريين واليمين الوسط لإعادة التوازن للوضع السياسي وموازين القوى الوطنية، في ظل ما نُقل عن الرئيس ماكرون من إصرار على متابعة سياساته والإلتفاف قدر الإمكان على اليمين المتطرف واليسار الراديكالي.

بفقدان حزب الرئيس ماكرون الغالبية المطلقة الموصوفة، سيفقد عهده الزخم المحلي والدولي الذي لطالما كان فيه بعدما كان بمثابة الآمر الناهي في ظل غالبية رئاسية مريحة لم تعد موجودة، وبالتالي فإن العديد من السياسات باتت ستكون موضوع مراجعة أو تخفيف أو تعديل، لا سيما سياسات فرنسا في الشرق الأوسط ولبنان، خصوصاً متى عرفنا أن اليمين الجمهوري والوسط ليسا من داعمي فكرة الانفتاح على حزب الله في لبنان مثلاً أو أن مارين لوبان وفريقها ليسا من الداعمين لتورط فرنسا مع الإتحاد الأوروبي في الملف الأوكراني أو ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهي تفضل المفاوضات لحل الحرب في أوكرانيا.

تحولات متوقعة في السياسات الفرنسية ستظهر تباعاً على أكثر من صعيد داخلي وخارجي، الا أن الأكيد أن نتائج الانتخابات التشريعية أمس أثبتت بأن الجمهورية الخامسة في فرنسا قد تكون بدأت بلفظ أنفاسها الأخيرة، وتتجلى بأزمة حكم تلوح في الأفق ما لم ينجح الرئيس ماكرون وفريقه بتدوير الزوايا والإلتفاف على خصومه لتمرير سياساته وتشريعاته.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: