أدت أزمة النظام المصرفي إلى توقّع توقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) موقتاً عن رفع الفائدة، مما يجعل "المعدن الأصفر" أكثر جذباً حول العالم، فهل سيستمر سعر الذهب بالصعود ليسجل أسعاراً تاريخية في ظل الأزمة الحالية في المصارف الأميركية وفي أوروبا وغيرها من البلدان وسط الأزمات الجيوسياسية الراهنة؟
وضع الذهب عالمياً
على هذا السؤال وغيره، يجيب الخبير في الأسواق المالية نديم السبع في حديث لموقع LebTalks قائلاً " التوتّرات الراهنة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، تجعلنا نراقب حال الذهب، إذ نراه ينحدر نزولاً إلى 1640 دولاراً ويرتفع صعوداً الى 2015 $ للأونصة الواحدة، ما يعني أن سعره اليوم بدأ يقترب من أعلى سعر سجّله الذهب تاريخياً وهو 2075$، وبالتالي نعتقد أننا سنشهد في الفترة المقبلة زيادة أهمية الذهب وذلك بهدف تأمين الحماية الذاتية من الأزمات المالية المُحتَملة، إضافة إلى أن البنوك المركزية حول العالم بدأت تتخذ خطوات مُلفِتة ومنها تنويع محفظتها المالية من احتياطاتها بين الذهب والدولار واليورو وغيرها من العملات، كي تحمي نفسها من موجة الإفلاس ومحاولة إيجاد بديل أو عملة موازية للدولار بعدما كانت الدول قد أهملت الذهب وبات غير مهم لديها حتّى العام الماضي، إذ وصلت مشتريات الذهب العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ 55 عاماً، وهو أعلى مستوى حيازة للذهب في البنوك المركزية، وهذا يفسّر توجه المصارف لإيجاد بديل عن العملات الورقية، فالصين والبرازيل مثلاً تخليتا في التبادل التجاري بينهما عن الدولار واعتمدتا عملتيهما المحليتين، كل ذلك يعني أنه سيصبح للذهب أهمية أكبر لدى البنوك المركزية".
وفي السياق ذاته، يؤكّد السبع أن " النظام النقدي العالمي الحالي يحتاج إلى إعادة تصحيح، إذ انه تاريخياً كان كل 50 أو 60 عاماً تقع أزمة مالية كبيرة، وحالياً في النظام الجديد، الأزمات تقع كل 10 أو 15 عاماً تقريباً ما يُنذر بخطأ ما، ويشكّل خطراً مالياً كبيراً على العالم بأسره، وبالتالي هذا يعني أن الدول تحتاج إلى بديل عن العملات ويكاد يكون الذهب الأكثر أماناً وسهولة في الشراء تاريخياً، وما هو أكثر أماناً فيه أنه يواكب التضخم صعوداً محافظاً على قيمته، فمن المعروف تاريخياً أن مَن يبيع الذهب يخسر".
السبع إعتبر أنه إذا توقّف الإنهيار عند المصرفَين اللذين أفلسا في الولايات المتحدة فيمكن للذهب أن ينخفض قليلاً ثم يعاود مساره التصاعدي.
دور الذهب في لبنان
بحسب ما كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فإن قيمة احتياطي الذهب بلغت 17.547 مليار دولار حتى نهاية شباط الماضي، ليحتل بذلك لبنان المرتبة الثانية على قائمة أكبر احتياطيات الذهب في المنطقة العربية بعد المملكة العربية السعودية، ولكن هل يمكن الإستفادة من هذا الإحتياطي في الأزمة الحالية في لبنان؟
السبع إعتبر أن "امتلاك هذه الكمية الكبيرة من الذهب الذي بدأ رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس بشرائه عام 1967 حين كان حاكماً لمصرف لبنان، أعطى "نقطة قوة" للمركزي وللبنان، ولا شك أنه سيعيد الثقة للمستثمرين الأجانب بعد فترة زمنية للعودة والاستثمار في لبنان إذا عاد إلى السوق الدولي، إلا أن الأساس هو في كيفية استخدام هذا الذهب، فهل سيتم استخدامه لوضع خطة إنقاذية مالية أم سيتم بيع الذهب واستخدام أمواله بدعم "صيرفة" والليرة والاستهلاك والمعاشات واتخاذ خطوات لا قيمة لها وتؤدي الى ضياع الذهب من دون أي فائدة؟ من هنا، فإن احتياطي الذهب الموجود حالياً يشكل مدخلاً للإنقاذ ومن شأنه حتّى أن يشكّل بديلاً عن صندوق النقد الدولي، ولكن شرط عدم استخدامه بطريقة عشوائية وخاطئة تؤدي الى عدم الاستفادة منه، وبالتالي سنخسر المزيد وسيكون مصير الذهب كمصير الأموال هدراً وسرقةً وتهريباً".