Search
Close this search box.

الأسد بين مطرقة القرار ٢٢٥٤ وسندان التبعية لإيران

asad

لأول مرة يتحدث بشار الأسد، رأس النظام السوري، منذ ساعات بصيغة جديدة حيث تخلّل حديثه أمام أركان حزبه عبارات ليس أقلها تكرار ” تغيير المنظومة “، ما يعني في الحقيقة الخروج عن نمطية عمل داخل حزب البعث السوري التي كانت ترتكز على الدوام على مفهوم تغيير أساليب العمل من ضمن المنظومة التي كانت قائمة منذ عهد الرئيس حافظ الأسد الى يومنا هذا.

الأسد وحراجة اللحظة الإقليمية

الأسد بشار الأسد هذه المرة، يبدو أنه بدأ يتلقّف حراجة اللحظة الإقليمية وخطورة وضعه ووضع نظامه وحزبه الحاكم بعدما تراكمت عليه إشارات من الداخل والخارج لا تطمئنه الى مصيره المحتم، ففي خطابه، اذا أمعنا في مضمونه، نلحظ بأنه ذكر ” أن توسيع المشاركة يقلّل الخطأ “، ما يعكس ما أُملي على الأسد وما رضخ له بوضعه أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الرضوخ وإما إزاحته، فالكل يعلم كم أن النظام السوري مبني على المحسوبية والزبائنية الخادمة للنظام وما استتبعته من فساد وممارسات شاذة على مرّ عقود.
غياب الشفافية بات عبئاً على الأسد وحزبه، وفي كلمته أمام أركان الحزب إعترف ضمنياُ بعدم وجود هذه الشفافية.

النظام السوري في حالة ارتياب على مصيره

السؤال المهم والأهم : ما هو الدافعُ وراء كلمة الأسد أمام أركان قيادة حزبه؟
الإجابة تكمن في ما ينتظر سوريا في الأيام والأسابيع المقبلة من تطورات كبرى استتباعاً بحرب غزة وتداعيات خلط الحسابات الإقليمية والدولية على أرض المنطقة، ما يجعل الأسد في حالة ارتياب من ما يمكن أن يكون عليه مصيره، خصوصاً أن طهران بدأت تبيع وتشتري، وقد باعت “حماس” وغزة في مقابل الاحتفاظ بحزب الله والورقة اللبنانية في جنوبها، وهي قاب قوسين أو أدنى من بيع الحوثيين بعد توريطهم في مواجهة آتية مع الأميركيين والأطلسيين والتحالف لحماية المضائق والبحار، وبخاصة باب المندب والبحر الاحمر والخليج العربي،
وبالتالي وأمام إعلان شمال شرق الفرات حكومة أو إدارة ذاتية مدعومة أميركياً وأوروبياً وعربياً منذ أيام، وتسليم الشمال السوري من إدلب وتوابعها للنظام باتفاق إيراني- تركي مستجدّ، بعد أن أدركت أنقرة أن حليفها الأميركي لن يتخلى عن الورقة الكردية لإنهاء فصائل المعارضة المتقاتلة، تمهيداً لإعادة توزيع مناطق النفوذ الإيراني- التركي- الأميركي على المساحة السورية شمالاً وشرقاً .

ما يضمنه نظام الأسد لم يعد ذات قيمة لإسرائيل

بشار الاسد قارىء جيد للتطورات والمخاطر المحدِقة به وبنظامه، وهو يدرك تمام الإدراك أن الحاجة اليه إسرائيلياُ وأميركياً قد ضعُفت، إن لم تتلاشَ بعدما بات التواصل الأميركي- الآيراني المباشر وغير المباشر قائم، وبعدما أدركت تل أبيب أن ما كان الأسد ونظامه يضمنه لإسرائيل لم يعد ذات قيمة، خصوصاً بعدما قرّر الأسد الارتماء في الحضن الإيراني، ووضع كل ” بيضه ” في سلة إيران، وتحوّله الى مجرد واجهة لحكم إيران في سوريا، وقد بلغته آخر رسائل آسرائيل بتصفيته الشخصية إن استمر في تغطية أي عدوان إيراني عبر الحدود وبخاصة في الجولان.

الرئيس السوري أهدر كل الفرص التي أُتيحت له

اذاً بشار الأسد، في إطلالته أمام أركان حزب البعث، وكأنه يستمر في محاولة ذرّ الرماد في العيون بالإيحاء للداخل والخارج عن ولوجه باب التغييرات لكسب المزيد من الوقت، وهو السلاح الوحيد المتبقّي له بعدما خسر كل أوراق حكمه وسلطته ووضعها في يد الإيراني المتحكّم سياسياً وديمغرافياً وعسكرياً وأمنياً بمناطق نفوذ الأسد، الذي بمحاولته هذه يناور ويكابر مرة جديدة للإيهام بأنه سعى ويسعى للتغيير والإصلاح، فيما التقصير عند الآخرين، وقد أعطى التوجيهات والتعليمات ورسم التوجهات لكن ” الآخرين ” لم ينفذوا ولم يلتزموا … لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، وقد أهدر بشار الأسد كل الفرص التي فُتحت له وكل المناسبات التي قُدّمت له للتغيير والإصلاح الحقيقيين، والسير في التسوية السياسية المبنية على القرار ٢٢٥٤ ومندرجات مقررات جامعة الدول العربية وقمة الرياض والانفتاح العربي الخليجي عليه، إلا أنه استمر في التلاعب والمناورة والكذب وابتزاز الأيادي الخليجية والأردنية الممدودة اليه، وفي الساعات الأخيرة مع كتابة هذه السطور، نتبلغ باشتباكات على الحدود الأردنية بين حرس الحدود الأردني وفصائل مسلّحة متسلًلة من شمال الحدود الأردنية لتهريب أسلحة وكابتاغون وصواريخ الى الداخل الأردني بغية زعزعة أمن واستقرار الأردن، في إشارة إضافية من الأسد الى نواياه العدوانية تجاه جيرانه العرب، وبخاصة الاردن الذي كان في أساس مبادرة عودة سوريا لإشغال مقعدها في الجامعة العربية.

سوريا بين خيارين: الاستمرار في الغطرسة أو القرار 2254

الأسد أكثر من أي يوم مضى أمام خيارين مصيريين : إما الاستمرار في غطرسته مع الإيرانيين، وبالتالي تحمّل الكلفة الباهظة، فيما الطيران الإسرائيلي يستبيح مواقعه ومراكزه وقصوره من الجو والبحر كما حصل الليل الماضي من غارات على دمشق، وإما القرار ٢٢٥٤ على طاولته للتنفيذ والسير في خطة الطريق نحو الحل الشامل في سوريا .
وبالانتظار، ويوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة سوريا تتفكّك شمالاً وشرقاً وجنوباً، فيما إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد انفضاح هشاشة وزيف التزاماتها الإقليمية نسبة للشعارات والخطابات الإعلامية الفارغة .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: