البابا من "واجهة بيروت" لـ"اللبنانيين": أنتم شهود وضحايا لقوى الشر

Pope

ألقى قداسة البابا لاوون الرابع عشر كلمة خلال الذبيحة الإلهية التي ترأسها على واجهة بيروت البحرية: "في ختام هذه الأيام الكثيفة التي عشناها معا بفرح، تحتفل ونشكر الله على صلاحه وعطاياه الكثيرة، وعلى حضوره بيننا، وعلى كلمته التي أفاضها وافرة علينا، وعلى كل ما أعطانا إياه لنكون معاً.

يسوع أيضاً، كما أصغينا قبل قليل في الإنجيل، شكر الأب، وتوجه إليه وصلى قائلا: "أحمدك يا أنت رب السماء والأرض".

في الواقع، الحمد والشكر لا يجد دائما مكانا في نفوسنا. إننا ترزح أحيانا تحت يقل تعب الحياة، ونهتم ونطق بسبب المشاكل التي تحيط بنا، ونفت مشلولين بسبب عجزنا وعدم مقدرتنا أمام الشر، إذ تنقلنا أوضاع كثيرة صعبة، فتميل إلى الاستسلام والتشكي وننسى اندهاش القلب والشكر الواجب الله.

هذه الدعوة لتنمية مشاعر الحمد وعرفان الجميل أوجهها إليكم أنتم أيها الشعب اللبناني العزيز أنتم الذين منحكم الله جمالا نادرا زين به أرضكم، وفي الوقت نفسه أنتم شهود وضحايا لقوى الشر، بأشكاله المتعددة، الذي يسوة هذا الجمال والبهاء. من هذا المكان الرحب المطل على البحر، استطيع أنا أيضا أن أشاهد جمال لبنان الذي تغنى به الكتاب المقدس. فقد غر من الله فيه ارزه الشامخ، وغداء وأرواء، وجعل ثياب عروس نشيد الأناشيد تعبق بعطر هذه الأرض. وفي أورشليم، المدينة المقدسة المتلألئة بنور مجيء المسيح، أعلن، قال: "مجد لبنان يأتي إليك السرو والسنديان والنَّفْسُ جَمِيعًا، لزينة مكان قدسي، وأمجد موطئ قدمي".

وفي الوقت نفسه، هذا الجمال يغشاء فقر وآلام، وجراح أثرت في تاريخكم، فقد كنت قبل قليل أصلي في موقع الانفجار في المرفأ وتغشاه أيضاً مشاكل كثيرة تعانون منها، وسياق سياسي مهلهل وغير مستقر، غالباً، وأزمة اقتصادية خانقة ترزحون تحت عليها، وعنف وصراعات أعادت إحياة مخاوف قديمة. في مثل هذا المشهد يتحول الشكر بسهولة إلى خيبة أمل، ولا يجد نشيد الحمد مكانا في قلب كتيب، ويجف ينبوع الرجاء بسبب الشك والارتباك. لكن كلمة الله تدعونا إلى أن نرى الأنوار الصغيرة المضيئة في وسط ليل حالك، لكي تفتح أنفسنا على الشكر، وتتشجع على الالتزام معا من أجل هذه الأرض.

أصغينا واستمعنا يسوع يشكر الأب لا لأعمال خارقة، بل لأنه كشف حكمته للصغار والمتواضعين، الذين لا يجذبون الانتباه، ويبدو أنهم لا أهمية أو لا قيمة لهم، ولا صوت لهم في الواقع، ملكوت الله الذي جاء يسوع يبشرنا به له هذه الميزة التي ذكرها النبي أشعيا: إنه غصن، عصن صغير ينبت من جذع (راجع أشعيا (11(1) ورجاء صغير يعد بولادة جديدة حين يبدو أن كل شيء قد مات هكذا ينشر بمجيء المسيح. جاء مثل غصن صغير لا يقدر أن يتعرف عليه إلا الصغار، الذين يعرفون، بلا ادعاءات كبيرة، أن يُدركوا الدقائق الخفية وآثار الله في تاريخ يبدو أنه ضائع.

هذه إشارة لنا أيضا، لنرى بعيوننا الغصن الصغير الذي يطل وينمو وسط تاريخ أليم والأنوار الصغيرة المضيئة في الليل، والبراعم الصغيرة التي تنبت، والبذار الصغيرة التي تزرع في بستان هذا الوقت التاريخي القاحل، والتي يمكننا أن نراها نحن أيضا، هناء اليوم أفكر في إيمانكم البسيط الأصيل، المتجذر في عائلاتكم والذي تغذيه مدارسكم المسيحية وأفكر في العمل الدؤوب في الرعايا والرهبانيات والحركات الرسولية لتلبية حاجات الناس وأسئلتهم. وأفكر في الكهنة والرهبان الكثيرين الذين يبذلون أنفسهم في رسالتهم وسط الصعاب المتعددة. وأفكر في العلمانيين الذين يلتزمون في خدمة المحبة ونشر الإنجيل في المجتمع من أجل هذه الأنوار التي تسعى جاهدة لإضاءة ظلمة الليل، ومن أجل هذه البراعم الصغيرة وغير المرئية التي تفتح باب الزجاء للمستقبل، علينا أن نقول اليوم مثل يسوع: الحمدك يا أنت !". ونشكرك لأنك معنا ولا تدعنا نضعف فتقع.

وفي الوقت نفسه، ينبغي لهذا الشكر لا يبقى عزاء داخليا وؤهما بل يجب أن يقودنا إلى تحول في القلب، وإلى توبة وارتداد في الحياة. يجب أن لدرك أن الله أراد أن تكون حياتنا في ضوء الإيمان، ووعد الرجاء، وفرح المحبة. ولهذا، نحن جميعا مدعوون إلى أن تلمي هذه البراعم، والا نصاب بالإحباط والا ترضع لمنطق العنف ولا لعبادة صنع المال والا تستسلم أمام الشر الذي ينتشر.

يجب أن يقوم كل واحد بدوره، وعلينا جميعاً أن توجد جهودنا كي تستعيذ هذه الأرض بهاءها. وليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك أن تنزع السلاح من قلوبنا، وتسقط دروغ انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماء ابنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، وتوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضهم ببعض إخوة وأخوات، وحيث يتحقق أخيرا ما وصفه النبي أشعيا: يسكن الذنب مع الحمل، ويريض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معا (أشعيا (611). هذا هو العلم الموكول إليكم، وهذا ما يضعه إله السلام بين أيديكم يا لبنان، قم وانهض من بينا للعدل والأخرة من نبوءة سلام لكل المشرق.

أيُّها الإخوة والأخوات، أود أنا أيضا أن أقول وأريد كلام يسوع: "أحمدك يا أنت". أرفع شكري الله لأتي قضيت هذه الأيام معكم. وأنا أحمل في قلبي الامكم وأمالكم أصلي من أجلكم، حتى ينيز الإيمان بيسوع المسيح، شمس العدل والميز، أرض المشرق هذه، وحتى الحافظ بقوله تعالى، على الرجاء الذي لا غروب له.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: