كتب نخلة عضيمي في صحيفة "نداء الوطن":
دخل قطاعا التأمين والذهب في لبنان مرحلة التشدّد في الآليات الرقابية والامتثال بناءً على ما ورد في المراسيم والدوائر الرسمية، خصوصًا في سياق مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) والتعامل مع الأشخاص أو الكيانات التي على قائمة العقوبات أو التي تخضع لمخاطر عالية.
يأتي ذلك بالتزامن مع التعميم رقم 1355 الذي وجّهه وزير العدل عادل نصّار إلى كتاب العدل ويتضمّن منع إجراء أي معاملة توثيق أو تصديق أو تفويض أو بيع أو نقل ملكية لأي شخص أو جهة مدرجة على لوائح العقوبات الدولية، سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو وزارة الخزانة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي. فخطوة نصّار لم تكن مجرّد إجراء إداريّ، بل بداية ما يمكن اعتباره حملة شاملة لتطبيق المعايير الدولية على كلّ المؤسسات المالية وغير المالية، بهدف الحدّ من استخدام الشبكات اللبنانية كواجهات مالية لأشخاص أو كيانات محظورة. ولإحكام الرقابة على كلّ منفذ ماليّ يمكن أن يستغلّ للالتفاف على العقوبات.
شركات التأمين تحت المجهر
مصادر مصرفية وقانونية مطّلعة على الملف أكّدت لـ "نداء الوطن" أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) يراقب عن كثب مدى التزام لبنان بالعقوبات، لا سيّما بعد ورود تقارير عن استخدام بعض الشركات والمؤسّسات المالية لتسجيل أصول أو تحويل أموال لأشخاص على قوائم العقوبات.
وبحسب المعلومات، فإن شركات التأمين بدأت بالفعل تحديث أنظمة "اعرف عميلك" (KYC) وإجراء Enhanced Due Diligence على مستفيدين وشركاء تجاريين، لضمان عدم التعامل مع أي كيانات مصنفة على لوائح العقوبات الأميركية أو الأوروبية.
مصادر ديبلوماسية في بيروت كشفت أن المرحلة المقبلة قد تشمل أسماء رجال أعمال وشركات وساطة التأمين التي يشتبه في أنها ساعدت شخصيات معاقبة على تسجيل ممتلكات أو إجراء تحويلات مالية بطريقة غير قانونية.
ويؤكّد المسؤولون أن المزاج في واشنطن تغيّر من مرحلة التحذير إلى الإنذار، وأن الجهات اللبنانية مطالبة بالالتزام التام، خصوصًا وزير الاقتصاد وهيئة الرقابة على التأمين، التي ستتلقى إخطارات فورية في حال الاشتباه بأي علاقة مع كيانات محظورة.
كما يحتمل أن تتعرّض شركات التأمين التي تغطي أشخاصًا أو كيانات تدرج على قوائم دولية (مثل Office of Foreign Assets Control – OFAC أو الاتحاد الأوروبي) إلى خطر تجميد أصول، حظر تعامل أو فقدان الترخيص.
ماذا يعني هذا عمليًا لقطاع التأمين؟
من هنا، تصبح شركات التأمين والوسطاء هدفًا مباشرًا لجهود الامتثال:
- فحص المستفيدين النهائيين، مصادر القسط، جهات إعادة التأمين الأجنبية، والسلاسل التي تمرّ عبرها الأموال.
- التحقق من المستفيد الحقيقي سيطبّق بصرامة (خصوصًا للمدفوعات الكبيرة أو الأطراف ذات الصلة بمنظمات إقليمية).
- إمكانية تجميد عقود/مدفوعات أو رفض التغطية عن أشخاص/كيانات مدرجة على قوائم عقوبات أو عن ممولين يثيرون شبهة تمويلية.
- شركات التأمين التي تتعامل مع إعادة تأمين أو معالجة مطالبات عبر بنوك أو وسطاء خارجيين قد تواجه انقطاعات في قنواتها المالية إذا لم تظهر امتثالًا واضحًا.
FATF توصيات جديدة وإلّا...
يبدو أن مجموعة العمل المالي FATF وقبيل اجتماع اللجنة العامة المقبل بين 20- 24 تشرين الأول في فرنسا واجتماع الخبراء المشترك بين 4-6 تشرين الثاني في ساحل العاج، قد فرضت على الدولة اللبنانية الانتقال من مرحلة "التحذيرات" إلى التطبيق الفعلي للمعايير العالمية. فتوصياتها الأخيرة ضاغطة لتشديد الامتثال ورفع كفاءة الرقابة.
وعلمت "نداء الوطن" من مصادر رسمية أن توصيات المجموعة التي سلّمت أخيرًا إلى المسؤولين اللبنانيين تضمّنت الرقابة على تجّار الذهب والعقارات الذين كانوا جزءًا من تبييض الأموال. وطلبت المجموعة التشديد على تجّار الذهب ومعرفة كل شخص يشتري ذهبًا وتفعيل تطبيق "اعرف عميلك". كما طلبت التركيز أيضًا على سوق العقارات، ومن هنا يأتي طلب وزير العدل من كتاب العدل التشدّد إضافة إلى مسألة ثالثة مطلوبة تتعلّق بالجمارك.
بناء على ذلك، دخل لبنان عمليًا مرحلة "الرقابة الذاتية المفروضة"، حيث تتحوّل كل مؤسسة مالية أو مهنية إلى وحدة امتثال مستقلة، خوفًا من العقوبات أو تجميد الأصول.
وهكذا، يقف لبنان عند مفترق طريق دقيق: إما الامتثال الكامل للمعايير الدولية وتفادي العقوبات، أو مواجهة مخاطر الانعزال المالي.
إذًا، بعد كتاب العدل، جاء دور التأمين والذهب والعقارات، وربما يشمل التشدّد لاحقًا مهنًا حرة أخرى، لتصبح كلّ معاملة مالية تحت المجهر، فيما يراقب المجتمع الدولي خطوات لبنان بحذر شديد.