الحزب المأزوم… بين القرار ١٧٠١ وما بعد بعد الليطاني

PLLMKPVOKN-780x470

مع سقوط كل ادعاءات محور ما يُسمّى المقاومة والممانعة حول “وحدة الساحات” ووحدة الجبهات، وكل الكلام “التبجحي” الذي كان يطلقه هذا المحور من أذرع إيران وأدواتها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، وقعت غزة فوقع معها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فيما تبرّأت إيران منهما مدّعية عدم العلاقة بهم وبهجوم ٧ تشرين الأول.

الحزب وتوتير الجبهة الجنوبية على إيقاع مضبوط

حزب الله أيضاً سلكَ مسار مرجعه الإيراني، ولكن لخداع الناس قام بتوتير الجبهة الجنوبية بإيقاع مضبوط على قاعدة ” الإلهاء” وتخفيف الضغط عن غزة، فيما اعتبر تصرّفاً لا يرقى الى مستوى التزامات حزب الله ووعوده بضرب ما بعد بعد حيفا، وقد جاءت خطابات الأمين العام للحزب حسن نصرالله مخيّبة لجماعته قبل المؤيدين والمناصرين لخطه السياسي.

حراك إسرائيلي وفق معادلتين ومنطقين

إسرائيل تستغل راهناً الوضع القائم في الجنوب اللبناني، ديبلوماسياً وسياسياً ودعائياً في اتصالاتها كافةً مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنيّة بما يجري من حرب في غزة، وهي في تلك الاتصالات تتحرّك ضمن معادلتين : الأولى مبنيّة على منطق أن ما جرى في ٧ تشرين الأول وعملية “طوفان الأقصى” ووقوع ١٤ ألف قتيل كانوا تحت رحمة “حماس” لا شيء يمنع من تكرار نفس الأمر من الشمال هذه المرة، أي من جنوب لبنان، بحيث لا شيء يضمن أن لا تقوم إيران في لحظة ما بإعطاء الأوامر لحزب الله بأن بتنفيذ العملية نفسها، علماً أن لديه قوات “الرضوان”، أي قوات النخبة الأكثر تدريباً وتسليحاً ضد شمال إسرائيل، وبالتالي فإن تل أبيب ليست مستعدة للسماح بتكرار هذا السيناريو، من هنا فالمطلوب ابتعاد حزب الله عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.

تل أبيب تسعى لاستعادة الزخم الأميركي الممنوح لها

إسرائيل تنطلق في حساباتها واستراتيجياتها حالياً باعتبار أن الحرب واقعة لا محالة، ولا مجال بعد اليوم لتجنّبها، وهناك ثمة تخوفٌ داخل إسرائيل بهذا الخصوص، وبالتالي تحاول حكومة إسرائيل اللعب على هذه المعادلة واستعادة الزخم الأميركي الممنوح لها سياسياً وعسكرياً، فواشنطن حتى الآن ورغم كل الضغوط وتغيّر المزاج الدولي واحتجاجات الرأي العام الدولي على ما تقوم به إسرائيل في غزة من ذبح الشعب الفلسطيني الأعزل والبريء، وتراجع نسب تأييد إسرائيل في العالم، لا تزال سياسياً ترفض وقف إطلاق النار، وقد ظهر ذلك جليّاً في جلسات مجلس الأمن الأخيرة .

معادلة الى ” ما وراء” الليطاني

المعادلة الثانية تستند الى أن واشنطن، بأساطيلها الضخمة وحشدها العسكري التاريخي في المنطقة بين المتوسط والخليج العربي، قوة عسكرية ضخمة جداً قادرة على احتلال ٣ دول في آن واحد في المنطقة، وهذا العامل العسكري الأميركي تحاول إسرائيل استثماره من خلال العمل على إنهاء وجود “حزب الله” في الجنوب اللبناني،
فالخريطة التي سُرّبت مع مطلب إسرائيل الذي تبلّغته إيران، كما تبلّغه حزب الله واضحة المعالم، وهي تستند الى تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم ١٧٠١، أي أن على “حزب الله” تطبيق مضامين هذا القرار الذي يقضي بابتعاده الى ما وراء نهر الليطاني، المفصل الجغرافي الطبيعي والحدود الجيو سياسية الآمنة لإسرائيل، على أن يعود الجيش اللبناني الذي منعه حزب الله من الاقتراب من الجنوب، ومن منطقة عملياته العسكرية ليتولّى استلام الربط الحدودي مجدّداً.

خيار الحرب مطروح تلقائياً

وفق اعتقادنا الراجح حتى الآن بأن حزب الله، أمام هذا الطلب والضغوط التي تُمارس باتجاه تنفيذ هذا التصوّر، سيقوم بتنفيذه، وإلا فإن كارثةً مدمِّرة تنتظر لبنان، لأنه في حال الرفض سيكون خيار الحرب مطروح تلقائياً، والمعلوم أن إسرائيل استدعت حوالي ٣٢٠ ألف مقاتل، قسم كبير منهم موجود على الجبهة الشمالية، فيما قسم آخر موجود على جبهة الجولان، بالاضافة الى وجود القوة الأميركية التي تعهّدت بدعم إسرائيل إن قامت بحرب على حزب الله.

طهران تتأرجح بين الهزيمة أو الخسارة

حزب الله من جهته، متسلّح بشكل جيد بصواريخه، وهو قادر على استخدامها لكنه يواجه عقدتين : الأولى القرار الإيراني غير الراغب في الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لأن طهران تعلم أن القوة الموجودة في الخليج العربي أو في بحر عُمان أو في باب المندب أو البحر الأحمر أو المتوسط، قادرة على سحق إيران وليس فقط حزب الله، وخروج الأخير عن دائرة أذرع إيران يعني ضربة كبيرة لها، لأن الحزب ذراعها الأقوى والأفعل في المنطقة،
وبالتالي فإن تدخّلت إيران في المواجهة، فهي ستتلقّى هزيمة كبيرة، وإذا لم تتدخّل فإنها ستخسر أهم وأقوى أدواتها في المنطقة ألا وهو حزب الله.

الحزب يسعى لتجنّب ضربة موجعة

طهران أعلنت أن الحوثيين ليسوا شيئاً أمام قوة “حزب الله”، وثمة كلام راهناً عن اتفاق ممكن مع الحزب قد يرضخ له تجنّباً لضربة موجعة قد تقع عليه نتيجة تعرّضه للسفن والملاحة الدولية في باب المندب، وإطلاقه صواريخ ومسيّرات بتوجيهات إيرانية، وبالتالي هو يسعى للاتفاق مع السعودية والحكومة اليمنية الشرعية لتجنّب المصير الأسود الذي ينتظره، كما أن طهران تدرك أيضاً أن كل الميليشيات الولائية لها في المنطقة يمكن بلحظة ما أن تسقط، ففي سوريا وجودها مرتبط ببشار الأسد، وفي أي لحظة يسقط فيها الأخير، تسقط معه مصالحها ونفوذها.

وجود إسرائيل مطروح على المحك

من هنا اعتمادُ إيران على حزب الله بالدرجة الأولى والأخيرة، فاذا لم ينسحب الحزب الى ما وراء الليطاني، فإنه سيتعرّض لا محالة لضربة عسكرية ستُشعل لبنان، وفي هذا السياق وفي المعلومات أن إسرائيل أعدّت مستشفيات ميدانية شمال حدودها لمواجهة الحرب مع لبنان، فهي لم تعد تهتم بخوض الحروب لأنها باتت في وضعية تطرح وجودها على المحك، وبالتالي لم يعد يهمّها ما تقوم أو سوف تقوم به طالما أن أي عمل تُقدم عليه يضمن، من منظارها، حمايتها وإنقاذ وجودها من التهديد.

لا تكرار لمقولة ” لو كنتُ أعلم”

حزب الله في إطار استعداداته العسكرية، يملك منظومة صاروخية مهمة، ولا سيما منظومة “بانثر” الروسية التي يملكها نظام الأسد، مع أن هذه المنظومة لم تتسبّب في تخفيف وطأة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية في الآونة الأخيرة، كما أن
الحزب يدرك تماماً بأن الحرب هذه المرة لن تكون على شاكلة ما حصل عام ٢٠٠٦، تلك الحرب التي تشكّل جزءاً مما يمكن أن يحصل هذه المرة أو ما اذا اندلعت المواجهات العسكرية بينه وبين إسرائيل، فهذه المرة لن تنجح مقولة ” لو كنتُ أعلم…” في تبرير ما يمكن أن ينتج على لبنان من دمار وهلاك اذا ما وقعت تلك المواجهات .

الحزب المأزوم وإسطوانة الممانعة

حزب الله أمام واقع مأزوم، فرضوخه لمطالب إسرائيل وابتعاده عن الليطاني ينهي دور سلاحه وينهي إسطوانة الممانعة والمقاومة،
وفي المقابل اذا رفض الانسحاب فإنه سيتعرّض لضربة عسكرية موجِعة له وللبنان، لكن وبحسب التقديرات فإن الحزب سيرضخ وسينسحب الى ما بعد الليطاني لأنه لا يريد إنهاء وجوده في لبنان ويخسر كل شيء، خصوصاً في ظل تململ حاضنته الشيعية من قياداته ومن تصرفاتها، ومن ارتهانها للقرار الإيراني، ولأن إيران لا تريد الدخول في أي حرب مع إسرائيل، وهي تدرك أن موازين القوى العسكرية في المنطقة، مع الوجود العسكري الأميركي الضخم والأطلسي المساند، ليست في صالحها وهي لا تريد في نفس الوقت خسارة حزب الله، لذا فإن تسوية ما قد تبرز وقد يكون قوامها إبعاده الى الليطاني مقابل إبقائه على قوته العسكرية أي على سلاحه.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: