كتب جاد الأخوي:
يبدو واضحاً أنّ حزب الله لا يتعامل مع ملف سلاحه كأولوية وطنية أو كقضية قابلة للحسم السريع، بل كملف تفاوضي طويل الأمد مرتبط بعوامل داخلية وخارجية. والأهم أنه يسعى بكل وضوح إلى إضاعة الوقت حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، حيث يراهن على تجديد شرعيته السياسية وحماية سلاحه عبر صناديق الاقتراع.
شرعية انتخابية لسلاح غير شرعي
منذ دخوله الحياة السياسية، جعل حزب الله من نتائجه الانتخابية غطاءً شرعياً لسلاحه. فكل كتلة نيابية يضمنها، وكل تحالف يثبّت حضوره داخل البرلمان، يتحوّل إلى خط دفاع سياسي عن ترسانته العسكرية. ومن هنا، الانتخابات المقبلة ليست مجرد استحقاق ديموقراطي بالنسبة للحزب، بل خط فاصل يحدد إن كان سيُجبر على تقديم تنازلات أم سيبقى ممسكاً بالقرار.
لعبة المماطلة
اليوم، يطلق الحزب مواقف مرنة أحياناً، لكنه في الجوهر يماطل. الهدف واضح: إبقاء النقاش مفتوحاً، فارغاً من أي نتيجة، إلى أن تمر الانتخابات. عندها، إما يحافظ مع ما تبقى من حلفاء على الأكثرية فيقطع الطريق على أي مشروع نزع سلاح، أو يوازن خسارته عبر الدخول في مفاوضات بشروط أفضل.
ورقة الفصائل الفلسطينية
الجديد هو إدخال عامل سلاح الفصائل الفلسطينية على خط المفاوضة. فالحزب يشير ضمنياً إلى أن تسليح هذه الفصائل، وتأخير تسليم أو ضبط أسلحتها (كما في حالة حماس)، يشكّل سبباً إضافياً يمنع أي خطوة متسرعة في ملف نزع السلاح اللبناني. المعادلة التي يروّج لها بسيطة: “كيف نُسلم سلاحنا ونكشف ظهر لبنان، بينما أسلحة خارجية لا تزال متفلتة على الحدود وفي المخيمات؟”. بهذا المنطق، يتحول سلاح الفلسطينيين إلى ورقة بيد الحزب لتبرير التريّث وربط مصيره بتسويات إقليمية أكبر.
ورقة سوريا والتغيير في المعادلات
إلى جانب العامل الفلسطيني، يستند الحزب أيضاً إلى ما يجري في سوريا. فالتغييرات الميدانية والسياسية هناك ، من عودة بعض الأطراف العربية إلى دمشق، إلى استمرار التوترات الأمنية، تمنح الحزب ذريعة إضافية للإبقاء على سلاحه. وهو يقدّم نفسه كـ”خط الدفاع عن الطائفة الشيعية” في وجه أي سيناريو إقليمي يهدّد امتداداته. بهذا، تتحوّل الساحة السورية إلى عامل دعم إضافي لخطابه الداخلي: “لا يمكن تسليم السلاح في وقت المنطقة تغلي ومصير الشيعة مهدد”.
المخاطر المحسوبة
الخطورة في هذه الاستراتيجية أن لبنان يبقى رهينة لعبة الوقت. فالمجتمع الدولي يربط أي دعم اقتصادي بخطوات جدية نحو حصرية السلاح، بينما الانهيار الداخلي يضغط على الناس ويحوّل السلاح إلى عبء أكثر من كونه قوة. ومع ذلك، الحزب يفضّل المقامرة: تمديد النقاش، انتظار الاستحقاق النيابي، والاستفادة من كل ورقة إقليمية، من حماس إلى الساحة السورية والمفاوضات الإيرانية.
إذًا بات من الواضح أن حزب الله لا يربط مصير سلاحه بالانتخابات المقبلة فقط، بل يجعلها حجر الزاوية في استراتيجيته. ويضيف إلى ذلك مروحة ذرائع إقليمية، من الفصائل الفلسطينية إلى التطورات في سوريا، ليبرّر بقاء سلاحه تحت عنوان “الحماية والردع”. غير أن هذا الخيار يضع لبنان كله في دائرة الانتظار والتأجيل، ويحوّل السلاح من ورقة “مقاومة” إلى ورقة مساومة، رهينة مواعيد انتخابية وحسابات إقليمية.