كتب ألان سركيس في نداء الوطن :
تعتبر جلسة مجلس الوزراء الثلثاء من أهم الجلسات. فمنذ اتفاق "الطائف" لم تتجرأ أي حكومة على تناول ملف سلاح "حزب الله"، لا بل كانت البيانات الوزارية السابقة تشرّع عمل "المقاومة". وبعد تغيّر الموازين اتخذ القرار الكبير، ويبقى انتظار التطبيق على الأرض.
لعبت بكركي دورًا محوريًا منذ أيام البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير في المطالبة بعودة سلطة الدولة وحصر السلاح وتطبيق "الطائف". وبعد انسحاب إسرائيل من الجنوب، خرجت بكركي بنداء أيلول 2000 الشهير وطالبت بانسحاب جيش الاحتلال السوري، فحصل التحرير عام 2005، لتنتقل بعدها البطريركية للمطالبة بحصر السلاح بيد الدولة.
تنظر بكركي بعين الرضى إلى القرارات الحكومية، وتؤكد مصادر كنسية لـ "نداء الوطن" أننا انتظرنا هذا القرار 35 عامًا، وبعد صدوره لا يسعنا إلا أن ندعم من اتخذه ونشدّ على أيديهم.
وتشدّد المصادر على أن مثل هكذا قرار بحصر السلاح يجب أن يتابع، فلا يكفى اتخاذه، والآليات التنفيذية هي الأهم في المرحلة المقبلة، لكي لا يبقى حبراً على ورق، وكلنا ثقة بالجيش وبقيادته.
كانت بكركي دائماً مع حصر السلاح بيد الدولة، وتعتبر أن وجود السلاح مع الجيش والقوى الشرعية يحمي الجميع. السلاح في يد "حزب الله" جلب الدمار على أبناء الطائفة الشيعية وهجّر قسمًا كبيرًا منهم، لذلك لم يعد أمام "الحزب" سوى تسليم السلاح والسير بمنطق الدولة.
في تموز 2020 أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نداءً طالب باعتماد الحياد وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان. ودارت الأيام دورتها ودخل "حزب الله" حرب "الإسناد"، ولم تنفع كل سياسات المحاور في إنقاذ وضعية "الحزب". وبعد 9 أشهر تقريباً على توقيع اتفاق الهدنة، لا تزال بكركي ترى أن الحلّ الوحيد لإنقاذ البلد هو طرح الحياد والعودة إلى المذكرة البطريركية التي تحدّثت عن الحياد الإيجابي وتضمنت بنودًا تتعلّق بدعم الدولة وحصر السلاح بيد الجيش.
قد تكون الملفات ضاغطة على رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة اللبنانية، إلا أن البطريرك الراعي سيتابع حراكه في اتجاه تعميم ثقافة الحياد وتبنيها من قبل الجميع، في حين كان رئيس الجمهورية قد ذكر في خطاب القسم مرّات عدّة هذا الأمر، ما يشكّل بارقة أمل بالنسبة لبكركي ويمنحها دفعًا لإعادة تفعيل طرحها.
تعتبر بكركي أن خريطة الطريق لإنقاذ البلد واضحة، وتبدأ بعودة الدولة إلى ممارسة دورها وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، وجمع السلاح الفلسطيني وتسلّم كل سلاح "حزب الله"، عندها سيسهّل هذا الأمر محاسبة الفاسدين والانطلاق بعملية الإصلاح بعد استعادة ثقة المجتمع الداخلي والعربي والدولي.
وتشدّد بكركي على أن لبنان لا يستطيع العيش في عزلة والانخراط في محور، ودوره الأساسي هو تشكيله صلة وصل بين الشرق والغرب، والحياد الإيجابي يقصد به عزل لبنان عن مشاكل المنطقة وعدم التدخّل في حروب الآخرين مثلما حصل في حرب "الإسناد"، وما جرّته من ويلات على لبنان وما تزال البلاد تدفع ثمنها حتى اليوم.
من وجهة نظر بكركي، يحتاج إقرار الحياد إلى تجاوب داخلي واقتناع بأن إدخال حروب الآخرين إلى لبنان ستُبقي البلد في دوامة العنف والتخلف، والحلّ هو بتأمين اتفاق داخلي على تحييد البلد عن مشاكل المنطقة، من ثمّ تأمين رعاية عربية ودولية لهذا الحياد الإيجابي لأنه بلا مظلة دولية لا يمكن أن يؤدّي أي مشروع غرضه.
وتطمئن بكركي إلى موقف الدول الكبرى والدول العربية والتي تريد مساعدة لبنان لكن شرط أن يساعد اللبنانيين أنفسهم، لذلك فإن بداية الخروج من هذا النفق هو تسليم السلاح واستعادة الدولة سلطتها وهيبتها عندها تعود الثقة الداخلية والدولية ويبدأ مشوار الإنقاذ. وبعدها ستطلق بكركي نداءً جديدًا قد يكون في أيلول لحفظ البلد عبر اعتماد الحياد خصوصًا أنه بات هناك حكومة ورئيس جمهورية على الموجة نفسها، وغطاء عربي ودولي يدفع في هذا الاتجاه.