الراعي: كيف يجتهد المجتهدون لتعيين قائد للجيش وفرضه على الرئيس العتيد؟

7db5805d7640dc4febfe8f96fe914c96

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وانطوان عوكر، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور الوزيرة السابقة اليس شبطيني، اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة التابعة لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: السلام عليك، افرحي يا مريم” قال فيها: “نحتفل في هذا الأحد ليتورجيًّا بتذكار البشارة لمريم، التي نقلها جبرائيل الملاك قائلًا: “السلام عليك” أي “إفرحي يا مريم، يا ممتلئة نعمة. لقد وجدتِ حظوة عند الله” (لو 1: 28 و 30). ونحتفل كنسيًّا “باليوم العالميّ الثامن والثلاثين للشبيبة” الذي أسّسه القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني سنة 1985، وحدّد موعده في عيد المسيح الملك بحسب الروزنامة الليتورجيّة اللاتينيّة. ووجّه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة لهذه المناسبة بعنوان “كونوا في الرجاء فرحين” (روم 12: 12). يسعدنا أن نقيم معًا هذه الليتورجيا الإلهيّة إحياءً لهذين الحدثين: البشارة لمريم، ويوم الشبيبة العالميّ. فأرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بالهيئة العامّة “اللجنة الوطنيّة لراعويّة الشبيبة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان” التي تتمثّل فيها لجان الشبيبة والحركات الرسوليّة والكشفيّة في الكنائس الكاثوليكيّة الخمس في لبنان. فنحيّي مرشدها الوطني عزيزنا الخوري شربل دكّاش، وسائر المرشدين.نتأمّل في هذه العظة بفضيلة الرجاء، موضوع رسالة قداسة البابا. وقد اختاره استعدادًا ليوبيل الشبيبة في السنة المقدّسة 2025 حيث يكون الشبّان والشابات “حجّاج الرجاء”.

وتابع: “حيّا قداسة البابا فرنسيس الشبيبة ودعاهم “الرجاء الفرح للكنيسة، ولبشريّة هي في مسيرة دائمة”. وأكّد أنّه يرغب في السير معهم اليد باليد على طريق الرجاء، في ضوء كل من دعوة بولس الرسول “كونوا في الرجاء فرحين” (روم 12: 12)، وتأكيد النبي أشعيا: “إنّ الذين يعيشون في رجاء الربّ يسيرون ولا يتعبون” (أش 40: 31). عندما كتب بولس الرسول إلى مسيحيي روميه، داعيًا إيّاهم إلى “الفرح في الرجاء”(روم 12: 12)، كانوا في ذروة الإضطهاد والقتل والإستشهاد. هذا الفرح الداعي إليه بولس إنّما ينبع من سرّ موت المسيح وقيامته، ويتحدّر من اللقاء الشخصي بالمسيح. أجل الرجاء المسيحي يأتي من الله بالذات، ومن يقيننا بأنّ الله يحبّنا. بكلّ أسف، يقول البابا فرنسيس، في الزمن الذي نعيشه، زمن الحروب والنزاعات والحقد والكراهيّة، زمن الظلم والإستبداد، زمن الفقر والجوع والحرمان والإنتحار، زمن التهجير والطرد من أرض الأجداد، وكأنّنا في سجن مظلم، نرى أنّ “الرجاء هو الغائب الأكبر!”. لكنّ هذا الغائب الأكبر هو الفاعل الأقدر. فالله ينعم على كلّ إنسان بثلاث فضائل: الإيمان والرجاء والمحبّة. فيستعير قداسة البابا شعرًا من الكاتب والشاعر الفرنسي Charles Péguy الذي يسمّي هذه الفضائل “أخوات”: الرجاء هو “الأخت الأصغر”، أمّا الإيمان والمحبّة فهما “الأختان الكبيرتان”.يقول هذا الشاعر: “الإيمان لا يرى إلّا ما هو، أمّا الرجاء فيرى ما سيكون؛ المحبّة لا تحبّ إلّا ما هو، أمّا الرجاء فيحبّ ما سيكون. ويختم: “الفضيلة التي يحبّها الله هي الرجاء”. أمّا القدّيس أغسطينوس فيعتبر أنّ هذه الفضائل الثلاث مترابطة ومتكاملة، إذ يقول: “من يؤمن يرجو، ومن يرجو يحبّ”. ما يعني أنّ الرجاء جسر بين الإيمان والمحبّة. فالإيمان يحتاج إلى الرجاء لكي يصمد، والمحبّة بحاجة إلى الرجاء لكي تتواصل. ويؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته: “أنّ الرجاء نور يضيء في الظلمة”. فيتّخذ صورة سبت النور، ومثال أمّنا مريم العذراء”.

وأضاف: “فسبت النور هو “يوم الرجاء”. وهو أرض صلدة بين الجمعة العظيمة وأحد القيامة، بين إحباط التلاميذ والفرح الفصحيّ. هذا هو “المكان” الذي فيه يولد الرجاء. تتذكّر الكنيسة في هذا اليوم نزول المسيح الصامت إلى الجحيم ليقيم الأموات. هكذا يقول قداسة البابا ربّنا لا يكتفي بنظره الرحوم إلى مساحات موتنا وآلامنا أو بمناداتنا من بعيد، بل يدخل في صميم اختباراتنا للجحيم كنور يسطع في الظلمات ويبيدها (راجع يو 1: 5). ويتّخذ قداسته مثال رجاء مريم العذراء. فعلى الجلجلة ظلّت “ثابتة في الرجاء على غير رجاء” (روم 4: 18). فلم تسمح بأن ينطفئ في قلبها اليقين بالقيامة التي أعلنها ابنها. وهكذا مريم ملأت صمت سبت النور بانتظار محبٍّ مملوءٍ رجاء، استكمالًا لوقوفها عند أقدام الصليب. فزرعت في نفوس التلاميذ اليقين بأنّ يسوع سينتصر على الموت، وبأنّ الكلمة الأخيرة لن تكون للشرّ بل للقيامة. إنّها حقًّا “امرأة الرجاء” وأمّ الرجاء. رجاؤنا المسيحيّ، متجذّر في الإيمان بأنّ الله لن يتركنا أبدًا لوحدنا، بل يحفظ وعده واضعًا على لساننا كلمة صاحب المزامير: “حتى ولو سلكت في وادي ظلال الموت، لن أخاف سؤًا، لأنّك معي” (مز 23: 4). هذا الرجاء المسيحيّ ليس انتفاء الألم والموت، بل هو احتفال بمحبّة المسيح القائم من الموت، والذي هو دائمًا معنا، حتى عندما يبدو لنا بعيدًا. “فهو لنا نور الرجاء الكبير، الهادي في ليلنا، لأنّه “نجمة الصباح الساطعة” (الإرشاد الرسولي المسيح يحيا، 33). فنشكر الله على الهدنة الإنسانيّة لأربعة أيّام في غزّة التي بدأت صباح الجمعة الماضي. فنرجو أن تصبح بهمّة أصحاب الإرادات الحسنة وقفًا دائمًا للنار، وبداية لحل المشاكل بالتفاوض، ونحن نصلّي ونشكر الله على وقف التوتّر في جنوب لبنان والعودة إلى الحياة الهادئة. فيكفينا قتلًا وتدميرًا وتهجيرًا! والآن نتساءل: أين الرجاء في حياة اللبنانيّين؟ إنّ المسؤول الحقيقيّ الذي يدرك واجب المسؤوليّة هو الذي يزرع الرجاء في قلوب المواطنين صغارًا وكبارًا، وينتزع كلّ يأس وإحباط وكفر من قلوب المواطنين. أهكذا يفعل المسؤولون عندنا والنافذون؟ بكل اسف كلّا. فنقول لهم: ضعوا أمام أعينكم مسؤوليّة زرع الرجاء في قلوب جميع المواطنين اللبنانيّين، من خلال التجرّد من مصالحكم الشخصيّة والفئويّة والطائفيّة، فتستعيد العائلة الوطنيّة اللبنانيّة جمال عيش وحدتها في التنوّع، والعيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالإحترام المتبادل والتعاون والإغتناء من الثقافات الخاصّة. نحن لا نقبل، أيّها المسؤولون السياسيّون، أكنتم في الحكم أم خارجه، بأن تتمادوا بانتزاع الرجاء من نفوس الشباب، ومن قلوب قوانا الحيّة، وإقحامهم على الهجرة كأنّكم تتفادون قيادتهم الرشيدة في المستقبل، مثل خوف هيرودس من ولادة الطفل يسوع والديكتاتوريّين. لا نقبل بمواصلة انتهاك الدستور وتحديدًا المادة 49، على حساب قيام الدولة والمؤسّسات، وأنتم لا تنتخبون عمدًا رئيسًا للجمهوريّة منذ سنة وشهر، والأوضاع الإقليميّة الدقيقة للغاية تفرض وجود حماية للدولة، والرياح تتّجه إلى ترتيبات في المنطقة! فلا نقبل برهن انتخاب الرئيس لشخص أو لمشروع أو لغاية مرتبطة بالنفوذ . لا نقبل بحرمان الدولة من رأسها، ولا بنتائج الحرمان. تنصّ المادّة 49 على أنّ رئيس الجمهوريّة هو “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن”. فلما حوّل اتفاق الطائف رئيس الجمهوريّة من رئيس للسلطة الإجرائيّة، التي أناطها بالحكومة مجتمعة، إنّما أراده رئيسًا للدولة بأرضها وشعبها ومؤسّساتها، كلّ مؤسّساتها، ولا سيما المؤسّستين الأساسيّتين: مجلس النواب ومجلس الوزراء، لجهة ضبط تناسق عملهما، ولجهة مسؤوليّته عن علاقاتهما، فهما جناحا الدولة، وتناغمهما واجب وفقًا للأصول وهو المسؤول عن هذا التناغم، والمهمّة هذه تأتي تحت باب احترام الدستور. فلا نقبل، ولو ليوم واحد، بتغييب الرئيس، وبالتالي بفوضى الحكم، وكثرة الرؤوس، ومرتع النافذين (راجع ألبير منصور: الإنقلاب على الطائف، ص 82)!

وختم الراعي: “نحن لا نقبل بمحاولات المسّ بوحدة الجيش واستقراره والثقة بنفسه وبقيادته، لا سيما والبلاد وأمنها على فوّهة بركان. ينصّ الدستور في المادّة 49 على أنّ “رئيس الجمهوريّة هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة”. فكيف يجتهد المجتهدون لتعيين قائد للجيش وفرضه على الرئيس العتيد؟ اذهبوا فورًا إلى الأسهل وفقًا للدستور، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، فتنحلّ جميع مشاكلكم السياسيّة، وتسلم جميع مؤسّسات الدولة. ولقد اسعدنا، صباح الخميس الماضي، بزيارة وفد المجلس الإسلامي الشعي الأعلى برئاسة نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، وعلى الأخص بتصريحه بشأن انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبشأن مؤسّسة الجيش. ذلك أنّنا نتكلّم لغة واحدة، لأنّنا لا نتكلّم سياسيًّا بل وطنيًّا، ولأنّنا لا ندخل في تقنيّات العمل السياسي بل في أخلاقيّته على قاعدة الفصل بين الخير والشرّ. فلنجدّد أيّها الإخوة والأخوات، رجاءنا بالله، لأنّ هذا الرجاء لا يخيّب فهو نابع من قلب الله، له كلّ مجد وتسبيح وشكر، الآن وإلى الأبد، آمين”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: