إن أي مجموعة تلازمها الهواجس والقلق الدائم على مصيرها لا يمكنها أن تقدّم أي شيء ذات قيمة للجماعة، لأن تحركاتها وتموضعها يحكمهما تأمين استمراريتها بغض النظر عن أي شيء آخر، وبالتالي لا يمكن لـ”حزب الله” في أي محطة مفصليّة أن يقدّم أي شيء ذات قيمة للشعب اللبناني، باعتبار أن جُلّ ما يصبو إليه هو تأمين مصالحه انطلاقاً من القلق الدائم الذي يعتريه على وضعيّته، لأنه يعلم يقين العلم أنه يسير عكس المسار الواضح للتاريخ ولهذا السسبب يجد نفسه دائماً يخرج من حالة عدم استقرار إلى أخرى.
لربما كان الغطاء الذي أمّنه الرئيس السابق ميشال عون للحزب عبر “تفاهم مار مخايل” أبرز عامل استقرار سياسي تمتّع به “حزب الله” منذ تأسيسه واستفاد منه قرابة الـ16 عاماً ويخطط على الاستمرار بالإستفادة منه قدر الإمكان، ولكن مع خروج عون من القصر الذي ترافق مع تبدّل كبير في المزاج الشعبي في البلاد، دخل الحزب مجدداً في مرحلة من الـ”لا استقرار السياسي” وربما يمكن أن نقول إنها الأشد منذ تأسيسه.
انطلاقاً من هذه المسلّمة العامة، يمكن أن نفهم طريقة تعامل “حزب الله” مع الاستحقاق الرئاسي، فهو متريث وغير مستعجل أبداً في الإعلان عن مرشّحه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيّة على عكس الإنتخابات الرئاسيّة السابقة حيث أعلن مباشرةً ترشيحه الرئيس السابق ميشال عون وعطّل النصاب لعامين لإيصاله.
“حزب الله” يعتبر أنه من المستبعد أن يحدث أي خرق في ملف الرئاسة قبل نهاية العام، لأنه ينتظر تبلور بعض المعادلات الخارجية، ويرى أن الظروف الداخلية غير مؤاتية لإحداث أي خرق مفاجئ من قبل أي معسكر من المعسكرين في البلاد خلال المرحلة الحاليّة للإعتبارات كافة، إن كان لناحية رفض رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لترشيح فرنجيّة في معسكر “8 آذار”، أو عدم التوافق على اسم المرشح الرئاسي النائب ميشال معوّض في المعسكر المقابل. انطلاقاً من هنا، يتعامل الحزب مع مسألة “رفض باسيل” برويّة تِبعاً لقاعدة أن الوقت مبكرٌ للحديث عن أن المفاوضات داخل فريقه لإعتماد فرنجيّة وصلت إلى حائط مسدود، ويضع كل جهوده في التوصّل إلى تفاهم وتوافق مع باسيل، فالحزب يعرف الأخير جيداً ويراهن على عامل الوقت لكي يدرك رئيس “التيار” أن حظوظه معدومة بالوصول، وبالتالي يحوّل بشكل سريع وكما دائماً إلى إبرام اتفاق مصالح يستأثر فيه على أكبر كمٍ ممكن من المكاسب السياسيّة.
قيادة “حزب الله” تراعي حسابات باسيل الرئاسية لأنها لا تريد المخاطرة بخسارة الغطاء الذي أمّنه “التيار” لها، وبالتالي تصبح مسألة العودة إلى حالة الإستقرار السياسيّ مستحيلة، وتفضّل العمل بتأنٍ لمحاولة العودة إلى هذا الإستقرار الذي تفتقده اليوم ولا ترى باباً لذلك سوى بالحفاظ على غطاء “التيار الوطني الحر”. من هنا، نرى “حزب الله” يتدخّل ليبطئ إندفاعة رئيس مجلس النواب نبيه بري نحو المشاورات التي تهدف أولاً وأخيراً الى تأمين وصول سليمان فرنجيّة عبر محاولة إقناع رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وبعض النواب السنّة بضرورة المضي بهذا الخيار.
“حزب الله” يفرمل مسعى بري، لا لسبب سوى أنه يريد إيجاد مخرج مناسب يحفظ ماء وجه باسيل ولا يهدد التحالف معه، قبل أن يُطلق العنان لهذا المسعى الذي يعتبره الحزب أساسياً في معركة إيصال فرنجيّة إلى الرئاسة، لأنه يعتبر أن بري هو الوحيد الذي يملك سبل الإقناع السياسيّة القادرة على تغيير موقف جنبلاط وبعض النواب السنة، وهنا يجب ألا نعتقد أن “حزب الله” تحوّل فجأة إلى حزب مؤمن باللعبة السياسيّة الديمقراطيّة القائمة على التفاوض والمشاورات وإنما يعطي هذا المسعى مداه كحلٍ أقل كلفة عليه، إلا أنه كما دائماً يحضّر لخطّة رديفة في حال فشل المسار التشاوري الطبيعي، والتي إن تمكن المعسكر المواجه له من تأمين 65 صوتاً لمعوّض تصبح صعبة التطبيق جداً.
المشكلة الثالثة، ما بعد تأمين وحدة “8 آذار” خلف فرنجيّة وإقناع جنبلاط وبعض النواب السنّة، هي تأمين شبه توافق دولي – عربي على فرنجيّة أو في أقل الإيمان غض نظر دولي – عربي على وصوله، وهنا نعود إلى مسألة انتظار تبلور بعض المعادلات الخارجيّة التي يراهن عليها الحزب من أجل العمل على تسويق فرنجيّة، إلا أنه على ما يبدو إن تمكن الحزب من تخطي العقبتين الأولى والثانيّة فسيصطدم بالعقبة الثالثة غير القابلة للحلحلة حيث أن المملكة العربيّة السعوديّة والولايات المتحدة الأميركيّة لا يمكن أن توافقا أو تغضا النظر عن وصول فرنجيّة، في حين أن أليَن المواقف الدوليّة هو الموقف الأوروبي الذي يعتبر أن الخروج من المراوحة هو باعتماد مرشّح ثالث غير معوّض وفرنجيّة.
في المحصّلة، وانطلاقاً من كل ما تقدّم نجد أن الرياح الداخليّة والدوليّة تهب بما لا تشتهيه سفن “حزب الله” الذي يخوض “Mission Impossible” لإيصال فرنجيّة إلى رئاسة الجمهوريّة.
