كتب الان سركيس في صحيفة "نداء الوطن":
شهد لبنان زحمة موفدين في الأيام الأخيرة. ونُقلت إلى بيروت رسائل تنبيه وتوعية إذا جاز التعبير. ولا يستطيع الحكم اللبناني التصرّف وكأن شيئًا لا يحصل في المنطقة، لأن التطورات والأحداث المتسارعة توحي بالتغيير الكبير.
قالت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس كلامها للمسؤولين من دون ضجيج. وتعمل واشنطن على إفهام الدولة اللبنانية المتغيرات التي تحصل، وتنصحها باستغلال الفرصة والسير بالتركيبة الجديدة لا الرهان على عودة النفوذ الإيراني أو الخوف من دولة ظنت نفسها إمبراطورية وإذ بها تنتظر لحظة انهيارها الكلّي.
ولم يقتصر النصح والتنبيه على الولايات المتحدة الأميركية. دخلت الدول العربية على الخطّ مباشرة، وزيارة مدير المخابرات المصرية حسن رشاد وأمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بيروت تندرج في السياق نفسه، تشجيع لبنان على الدخول بمفاوضات مباشرة وعرض المساعدة إذا لزم الأمر، والتحذير من خطورة الوضع الأمني واحتمال انفجاره في أي لحظة لأن أحدًا لا يعرف ماذا تخطط إسرائيل وإلى أي مدى يمكن أن تصل مخططاتها.
ولا تعتبر قطر بعيدة عما يُطبخ في المنطقة، وشاركت في صياغة اتفاق غزة، وتلعب دورًا محوريًا على الساحة الغزاوية والفلسطينية. والاتفاق حصل بمساعدة قطرية ومصرية وسعودية وتركيّة، وبالتالي هناك مسار جديد بدأت الأحداث تسلكه في المنطقة، والدفة تميل لصالح ما كان يُعرف بمحور "الاعتدال العربي" وليس محور "الممانعة" الذي ينهار.
وإذا كانت بيروت تشهد زحمة موفدين أميركيين وعرب، فلا تغيب الرياض عن المشهد اللبناني، فهي دولة لها ثقلها الإقليمي ومحرّك لمعظم الملفات المهمّة، وتلعب دورًا محوريًا في المنطقة وفي سوريا الجديدة التي تنشأ بعد انهيار نظام الأسد.
وواهم من يظن أن الرياض تُهمل الساحة اللبنانية أو تتركها رغم عدم الرضى عن أداء الدولة. لا يوجد استعداد سعودي للتخلي عن العواصم العربية، ومقولة الإيرانيين بأن طهران تُسيطر على خمس عواصم عربية سقطت في القاموس السعودي، ومع تحرير دمشق، سقطت تلك المقولة لأن سوريا كانت الركن الأساسي في محور "الممانعة" وحجر زاويته وخطّ الإمداد الأول بين طهران وبيروت.
ويتحضر الموفد السعودي الامير يزيد بن فرحان لزيارة بيروت في الأيام المقبلة. وأفادت المعلومات بأنّ الزيارة كانت مقرّرة هذا الأسبوع، لكنها تأخرت بعض الوقت لجلاء الصورة في بيروت.
وتشير المعلومات إلى أن بن فرحان يريد زيارة لبنان بعد تبلور الملفات الأساسية، وعلى رأس هذه الملفات مسألة التفاوض مع إسرائيل، وهذا الملف يأتي ضمن مسار شامل في المنطقة، حصل في غزة ويحصل في دمشق، ويُنتظر ماذا سيحلّ به في بيروت.
وأراد بن فرحان المجيء إلى بيروت بعد انتهاء جولة المصريين، وبالطبع بعد زيارة أورتاغوس وإبلاغ لبنان الموقف الأميركي، والأهم هو وضوح الصورة عند الدولة اللبنانية ومعرفة كيف ستتصرّف في المرحلة المقبلة تجاه ملف التفاوض مع إسرائيل ونزع سلاح "حزب الله"، مع وجود نية سعودية للعب دور على خطّ التفاوض بين بيروت وتل أبيب بعدما رعت الحوار بين بيروت ودمشق لحل المشاكل العالقة.
وإذا كانت هذه الملفات أساسية ومهمة ليس فقط للبنان بل للمنطقة بأسرها مع إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إحلال السلام في الشرق الأوسط، فوتيرة الاهتمام السعودي بالملف اللبناني سترتفع في المرحلة المقبلة، وهذا الأمر سيعبّر عنه الموفد بن فرحان. وتؤكّد المعلومات أن زيارة الموفد السعودي ستؤكّد عودة المملكة للاهتمام بالشأن اللبناني ورعايته مثلما تفعل في سوريا، لكن هذا الأمر يتوقف أيضًا على مدى تجاوب اللبنانيين وعدم إضاعتهم الفرص، وقدرة الدولة على حزم أمرها والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة منها وفرض سيادتها على أراضيها ونزع كل السلاح غير الشرعي.
تُمثل زيارة الأمير بن فرحان فرصة جديدة للدولة اللبنانية لاستغلال الاندفاعة العربية بعد اندفاعة ترامب، وتريد الرياض لعب دور في المفاوضات مثلما فعلت في غزة ومساعدة لبنان، وفي حال أساءت الدولة استغلال الفرص، فذلك سيعني دخولها في عزلة عربية ودوليّة، والتأكيد على استمرار خوفها من حزب تحطّم عسكريًا وسياسيًا، ومن محور في طور الانتهاء، ما يُضيّع فرصة ذهبية على لبنان هو بأمسّ الحاجة إليها.
 
															