عاد موضوع الزواج المدني إلى الواجهة مع تقدّم نائبي القوات اللبنانية ملحم رياشي وجورج عقيص بإقتراح قانون الزواج المدني الإختياري، وعاد أيضاً ليخلق جواً من الأخذ والرد حول مدى قبول الشعب اللبناني بهذا القانون، خصوصاً مع التأثير الذي تتركه المرجعيات الروحية على قرارات الشعب في لبنان، فكيف علّقت المؤسسات المدنية المعنية على هذا الأمر، وما هي وجهة النظر الدينية حوله؟
إشكاليات طرح الزواج المدني: دينية وإجتماعية
في حديث لموقع LebTalks مع المدير التنفيذي لمؤسسة “أديان” الدكتور إيلي الهندي، أشار إلى أن “هناك مقاربتين نعمل عليهما: الأولى هي بالتعاون مع رجال الدين لتحسين الفهم للمشكلة الموجودة ومحاولة تقبّل منهم لفتح المجال على خيارات وحلول معيّنة، على سبيل المثال الطوائف غير المعترف بها أو الملحدين، وفي هذا الإطار نكون قد عالجنا مشكلة لا تمسّ بالمرجعيات الروحية بشكل مباشر ولا تؤثّر على صلاحياتهم المعطاة لهم في الدستور اللبناني، مع الإشارة الى أن تردّد رجال الدين تجاه موضوع الزواج المدني، ولو كان اختيارياً بالدرجة الأولى، يأتي من الخوف من خروج الناس من تحت عباءتهم، وما نعمل عليه بالتعاون معهم هو محاولة معالجة المشكلات في الزواج الديني وتطوير قوانينها، سواء من ناحية الحضانة وعمر الزواج وغيرها لتصبح أكثر تماشياً مع الواقع العلمي والحياتي للناس، لكي لا تبقى الناس تحاول الهرب من الزواج الديني وإيجاد البدائل. وفي المقابل، هناك دور على الدولة والذي لا تقوم به، إذ إنه حتى في القانون الذي يعطي الطوائف الحق لتشريع قوانين خاصة بها، يُطلب منها وضع تشريعات للحق العام أو لمَن لا ينتمون للطوائف، ولكن للأسف الدولة لم تفعل ذلك منذ عام ١٩٣٦ حتى اليوم، لذا يجب على النواب العمل للضغط بهذا الإتجاه”.
أما مديرة المعهد العربي لحقوق الإنسان في لبنان المدرّبة النسوية الدكتورة جمانة مرعي، فإعتبرت في حديث لموقعنا أن “تجزئة هذه الحقوق لا تؤدي إلى أي حل أو نتيجة، فعلينا أن نكون شموليين في مطالبتنا بحقوقنا، أي المطالبة بقانون مدني للأحوال الشخصية يشمل الزواج والطلاق والإرث وكل مفاعيل هذه العناوين، لأن كل هذه الأمور مترابطة ولا يمكن تجزأتها أو طرحها بطريقة منقوصة، إذ يجب أن تكون نظرتنا أوسع لتنظيم أحوال الأفراد بالحيّز الخاص، والتي تسمى قانون الأحوال الشخصية، متمنين أن يكون قانوناً مدنياً مرجعيته اتفاقيات حقوق الإنسان ويساوي بين الجميع، لأن مشكلتنا اليوم تكمن في عدم المساواة بين الأفراد، لذلك وجود قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية هو ضرورة و شرط من شروط المواطنة”.
هل سنشهد قريباً على قوانين مدنية؟
“كل ما نمرّ به من أزمات وعرقلات تجبرنا على الاقتناع بأن الوصول إلى كل مطالبنا لن يكون قريباً” تقول مرعي، معتبرةً أن “الأمر الذي يزيد من هذا التأخير هو عدم وجود نواب ومشرّعين يطرحون هذه الحقوق والمواضيع داخل مجلس النواب، والإشكالية اليوم ودائماً في لبنان هي الخلاف السياسي والطائفي الذي ينشب فور طرح موضوع القوانين المدنية لأنها فعلاً مرتبطة بالنظام السياسي في لبنان”. وأكدت مرعي أن ما “يحصل من هجوم على “مكتسبات الحركة الحقوقية والهجمة العنصرية بالكلام عن الإشكالية بأنها “إشكالية شذوذ” من دون أي مرجعية علمية لهذا الموضوع، وهذا ما يتم استغلاله لضرب المثليين والمثليّات ولضرب الحراك النسوي والحقوقي بشكل عام”.
ومن جهته، أثار الهندي موضوع عدم تسجيل عدد من حالات الزواج المدني في لبنان معتبراً أن ” ما يحصل يعبّر عن “انفصام الدولة اللبنانية” تجاه هذا الموضوع، فهي تقبل وتسجّل الزواج المدني الذي يحصل خارج أراضيها إنما الزواج الذي يحصل داخل أرضها لا تعترف به، وهناك بعض الحالات التي لم يتم تسجيلها لسببين: الأول هو الاتفاقية مع فرنسا عندما كانت قد دولة منتدبِة والتي تشمل الزواج لحاملي الجنسيتَين الفرنسية واللبنانية الذي يُعقد في فرنسا ويتم الاعتراف به تلقائياً في لبنان، أما السبب الثاني فهو أن يكون العروسان من طائفة واحدة فلا يتم الاعتراف بالزواج قبل تسجيله في المحاكم الشرعية، وهذا أمر خطير ومخالف للقانون اللبناني وله عواقب كثيرة وكبيرة”.
ماذا تقول المرجعيات الروحية؟
من جهته، إعتبر الأب الياس كرم، كاهن رعية الشويفات للروم الأرثوذكس، أنه “على الصعيد الشخصي، أرى أن للزواج المدني سلبيات وإيجابيات في بلد كلبنان، ففي بعض الحالات يأتي الزواج المدني كحلٍ يُطبّق خصوصاً في الزيجات المختلطة، وسيكون له سلبيات كبيرة إذا تم تعميمه في البلد على المرجعيات الروحية”، مؤكداً أن “القرار النهائي في هذا الخصوص يعود للرئاسة الروحية التي نتبع لها ولا يمكن الترويج بأي شكل من الأشكال لأي طرح من دون قرار من الكنيسة بالنسبة لنا”.
أما الشيخ بلال الملّا، فإعتبر أن “الزواج المدني هو تشريع وضعه البشر مقابل الزواج الشرعي الذي هو تشريع من رب البشر، ولذلك لا يمكن أن نقبل بتشريع من البشر على حساب تشريع أنزله رب البشر”، مشيراً إلى أن “كل الأمور المتعلقة بالأسرة والمرأة و”الحرية” الشخصية هي مترابطة، بدأت أولاً بموجة حقوق المرأة لتتسلّل بعدها إلى طرح “حقوق” المثلية الجنسية، والآن يأتي طلب الزواج المدني الذي يحاولون فيه تشريع كل هذه الآثام وهذه الجرائم بحق الأخلاق والدين والإنسانية، فنحن المسلمون لا يمكننا أن نرضى أو نقبل بهذه الطروحات الهدّامة التي ثبت فشلها وخطرها على المجتمعات التي دعمتها”.
وأضاف الشيخ الملّا: “لدي عتب كبير على نواب القوات اللبنانية الذي تقدّموا كمسيحيين بهذا المشروع لِما له من تأثير وانعكاسات في الدين على مستقبل أولادهم، وفي السياسة على حلفائهم وشركائهم في البلد، إذ أنه لا يمكن أن تكون المزايدات والطروحات السياسية والشعبوية على حساب الدين والأخلاق والقيم، فنحن مجتمعات شرقية تشكل مهبط الوحي ومهد الرسالات والشرائع السماوية التي جاءت بالأخلاق النبيلة والقيم السامية، ولا يجوز التخلّي عن هذا الامتياز الإلهي لحسابات بشرية، لذا علينا أن نتمسّك بالأخلاق التي جاءت بها الرسالات السماوية لحفظ واستمرار واستقرار مجتمعاتنا، “فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
أما عن هذا الخلط بين المواضيع، فقال الدكتور هندي إن ” أسوأ ما يحصل اليوم هو اعتبار حقوق المرأة وحقوق المثلية الجنسية والمطالبة بالزواج المدني أمور مترابطة ويتم خلطها، وأي حديث عن هذه المواضيع يتم وضع فيتو عليه ولا يمكن الاستمرار في التحدّث عنه بأي شكل من الأشكال، وهذا ما أوضحته الهيئة الوطنية للمرأة في بيان لها، إذ أشارت إلى أن الحديث عن حقوق المرأة لا علاقة له بالمثلية الجنسية وأن خلط هذه الأمور ببعضها ليس إلا للتعمية ورفض لحقوق المرأة بشكل غير مباشر ولتخويف الناس ووضع عقبات أمام موضوع حقوق المرأة”.