أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان برعاية رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ومكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان دراسة محورية بعنوان: "المرأة اللبنانية: من المشاركة السياسية إلى القيادة الحزبيّة".
تُعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها، ذلك انها تسلّط الضوء على تمثيل النساء ضمن 8 من أبرز الأحزاب السياسية في لبنان. وتكشف عن التقدّم المحقق والفجوات المستمرة في ما يتصل بعضوية النساء وترشّحهن وتسميتهن ووصولهن إلى مواقع القيادة، كما يضع خطوات عملية واضحة لتعزيز المساواة وتعزيز الديمقراطية قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة سنة 2026.
شارك في اطلاق الدراسة وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد ممثلة سلام، عقيلة رئيس الحكومة سحر بعاصيري سلام، وزير الاعلام بول مرقص سفراء بريطانيا هاميش كويل، كندا غريغوري غاليغان، اسبانيا خيسوس سانتوس اغوادو والنواب: نجاة عون صليبا، ندى البستاني، انطوان حبشي، فيصل الصايغ، الياس حنكش وعناية عزالدين، الوزيرة السابقة مي شدياق، المنسق المقيم للامم المتحدة عمران ريزا، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هارست بلاسخارت، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان جيلان المسيري، مسؤول البرامج والاتصالات في الاونيسكو جورج عواد ورئيسة المعهد العالي المالي لميا مبيض البساط.
والقت الوزيرة السيد كلمة سلام وجاء فيها: "اسمحوا لي في البداية أن أنقل إليكم تحيات دولة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، الذي كان يتمنّى أن يكون بيننا اليوم، غير أن ارتباطات طارئة حالت دون حضوره. وقد كلّفني أن أمثّله في هذا اللقاء، وأن أقدّم كلمته بالنيابة عنه. والكلمات التي سأتلوها الآن هي كلماته الشخصية، تعبّر عن رؤيته والتزامه تجاه هذا الموضوع الهام.
يقول سلام: "إن إيماني العميق بأهمية مشاركة النساء في الحياة السياسية ليس وليد اليوم، بل هو امتداد لمسار طويل من الالتزام والعمل. هذا الموضوع، العزيز على قلبي، لطالما كان محور كتاباتي ونشاطي في مؤسسات ومنابر متعددة. لقد شكلت تجربتي في "الهيئة الوطنية لقانون الانتخابات" محطة أساسية، حيث كنّا سبّاقين في إقرار المادة 64 التي نصّت على وجوب أن تضم كل لائحة انتخابية في الدوائر الخاضعة للنظام النسبي ما لا يقل عن 30% من النساء. هذه الخطوة لم تكن مجرد بند قانوني، بل كانت تعبيراً واضحاً عن إرادة سياسية في تكريس المساواة وتعزيز حضور النساء في مواقع القرار".
أضاف: "كما شدّد البيان الوزاري للحكومة الحالية على التزام الدولة ببناء مجتمع حريص على مقاربة قضايا النساء من منظور الحقوق والمواطنة الكاملة، بما يستدعي مراجعة القوانين التمييزية وإقرار سياسات تشريعية وتنفيذية تضمن المساواة الفعلية. فتمكين النساء لا يقتصر على رفع العوائق الشكلية، بل هو مسار لتغيير الثقافة السياسية وضمان مشاركة فعلية في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة".
اضاف: "لكن الحقيقة المؤلمة تبقى أن التمثيل السياسي للمرأة اللبنانية لا يزال ضعيفاً ولا يعكس لا وزنها الديموغرافي ولا دورها الاجتماعي في الأحزاب السياسية، في الإعلام، وفي مؤسسات الدولة، حضور النساء لا يزال محدوداً أمام قدرة وإمكانات هائلة. لذلك، فإن إصلاح القانون الانتخابي يشكّل مدخلاً محورياً لإعادة التوازن وتصحيح الخلل التاريخي في بنية المشاركة السياسية. وأمام النقاشات التي ترافق اليوم ملف الإصلاح الانتخابي، أجد لزاماً عليّ أن أؤكد ثوابت الحكومة وثوابتي الشخصية في هذا الإطار:
- الالتزام الجازم بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، دون أي تأجيل أو تعطيل
- ضمان حق جميع اللبنانيين، المقيمين وغير المقيمين، في الاقتراع العادل والشفاف ضمن دوائرهم
- تأمين ظروف انتخابية آمنة وشفافة تتيح للبنانيين المشاركة بحرية، ولا سيما لأهلنا في الجنوب، حيث لا يمكن أن يُعاقَب من فقدوا منازلهم وقراهم بحرمانهم من حق الاقتراع
- تكريس مبدأ الكوتا بنسبة لا تقل عن 30% لكلا الجنسين في اللوائح، ضماناً لتمثيل أكثر عدلاً لجميع مكونات المجتمع
- تشجيع النساء ودعمهن للانخراط في العملية الانتخابية بجميع مستوياتها: إشرافاً، وتنظيماً، وانتخاباً، وترشيحاً".
واكد ان "تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية ليس مطلباً حقوقياً فحسب، بل هو شرط لبناء ديموقراطية متوازنة تمنح وطننا صورة أكثر عدلاً وتمثيلاً لتنوعه الاجتماعي والثقافي. إن نجاح أي عملية إصلاحية سياسية يبقى ناقصاً ما لم تكن النساء شريكات كاملات في صياغة المستقبل ولا يسعني في هذا السياق إلا أن أتوجّه بجزيل الشكر إلى هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) على جهودها الرائدة في الدفاع عن حقوق النساء والفتيات حول العالم، وفي لبنان على وجه الخصوص. إن برامجهم الداعمة للتمكين السياسي والاقتصادي، وتعزيز المساواة في الفرص، وحماية النساء من جميع أشكال العنف والتمييز، تشكّل رافعة أساسية لمسارنا الإصلاحي."
ختم: "أعدكم، من موقعي في مسؤولياتي الوطنية، أن أكون إلى جانبكم، شريكاً فاعلاً وداعماً لمبادراتكم ومساعيكم، في سبيل ترجمة أجندتكم النبيلة إلى سياسات وممارسات ملموسة تُعزز المساواة وتُكرّس مشاركة النساء في صنع مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع".
وقالت المسيري: "هذه الدراسة مرآة وخريطة طريق في آن. ذلك انها تعكس واقع النساء ضمن الأحزاب السياسية اللبنانية، وتطرح خطوات عملية للمضي قدماً. إنّ تعزيز المشاركة السياسية للنساء ليس مسألة عدالة فحسب، بل هو يعدّ أيضاً تجديداً للحياة السياسية وتعزيزاً للديمقراطية في لبنان. وتدعو الدراسة الأحزاب السياسية والمؤسسات والشركاء الدوليين إلى إجراء إصلاحات ملموسة، منها: اعتماد تدابير خاصة مؤقتة مثل الكوتا؛ إرساء آليات ترشيح شفافة وقابلة للتنفيذ، وضع وتطبيق سياسات صارمة لمعالجة العنف والتحرش ضد النساء في السياسة؛ ضمان وصول عادل للنساء إلى التمويل الانتخابي ووسائل الإعلام".
وكانت كلمة لبلاسخارت قالت فيها: "إنّ العوائق موجودة وملموسة. لكن الأمر الجيّد، أنّ الدراسة سلّطت الضوء على أكثر من فرصة للعمل. بدءًا من الأولويات التشريعية والتغيير في السياسات ضمن الأحزاب السياسية، وصولًا إلى مبادرات أوسع، كمثل الدعم المالي أو الآليات المرنة. ولا شك أنه مع اقتراب انتخابات سنة 2026، ليس ثمة وقت أنسب لقنص هذه الفرص".
وتحدّث سفير بريطانيا هامش كاول قائلاً: "تفخر المملكة المتحدة بشراكتها مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في سبيل تعزيز تمثيل النساء في الحياة السياسية في لبنان. وانطلاقًا من نجاح المرشحات خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، نأمل أن نشهد مزيدًا من التمثيل النسائي في نتائج الانتخابات البرلمانية المقررة في أيار 2026. يشكّل هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تمثيل سياسي أكثر شمولًا في لبنان".
بدوره، قال السفير غاليغان: "تفخر كندا بدعم المبادرات التي تُعزز أصوات النساء في الحياة السياسية في لبنان. إن وجهات نظر النساء وأفكارهن وقيادتهن تُسهم في تعزيز الديمقراطية وتساعد المجتمعات على رسم مسار أكثر استقرارًا وازدهارًا. ومع اقتراب الانتخابات النيابية لعام 2026، نشجع جميع الأحزاب السياسية على ترشيح المزيد من النساء وضمان أن تكون أصوات النساء ورؤيتهن في صلب النقاشات الوطنية. ستظلّ كندا شريكة تلتزم تعزيز المساواة بين الجنسين والحوكمة الشاملة في لبنان".
عرضت الخبيرة في سياسات النوع الاجتماعي عبير شبارو للدراسة وقالت: "انّ نسبة النساء في عضوية الأحزاب تتراوح بين 15% و58%، بمعدل وسطي يبلغ 35%. إلا أنّ النسبة تتراجع على نحو حاد في القيادة العليا، حيث لا تتجاوز نسبة النساء في المناصب القيادية المتقدّمة 20%، وتنخفض أحياناً إلى 5% فقط في المراكز التنفيذية العليا. وعلى الرغم من ارتفاع نسبة ترشّح النساء على نحو طفيف من 12.1% عام 2018 إلى 15.7% عام 2022، لم يُنتخب سوى خمس نساء أدرجن في اللوائح الحزبيّة، في انتخابات 2022 النيابية".
أضافت: "يمكن تفسير هذه الأرقام من طريق العوائق الهيكلية، ومن أبرزها: عمليات اختيار المرشحين غير الشفافة والمحصورة ضمن دوائر قيادية ضيّقة، وضعف تطبيق الكوتا الطوعية ضمن الأحزاب، وغياب سياسات داخلية فعالة لمكافحة التحرش الجنسي، وعدم تكافؤ فرص الحصول على التمويل والتغطية الإعلامية، فضلاً عن غياب الترتيبات الصديقة للأسرة".
ووفقا لبيان للمكتب الاعلامي للامم المتحدة للمرأة فإن الدراسة أُنجزت بالشراكة بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، وبدعم مالي من حكومة كندا والسفارة البريطانية في لبنان. وهي تقدّم قاعدة بيانات وأدلة مهمّة لتوجيه الإصلاحات. ومع اقتراب الانتخابات النيابية سنة 2026، تشكّل الدراسة فرصة محورية لإطلاق الحوار وبناء حوكمة شاملة بما يسهم في تجديد الحياة السياسية وتعزيز الديمقراطية في لبنان، تماشياً مع التزامات لبنان بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن أولويات أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس المتعلّق بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء بوصفه أولوية ملحّة للسلام والتنمية.