يقوم الرئيس الاميركي جو بايدن باول زيارة للمنطقة في شهر حزبران المقبل، على خلفية ملفين ساخنين : الملف النووي الايراني وملف الحرب الروسية في اوكرانيا .الرئيس بايدن وادارته عادا الى الشرق الاوسط سياسيا بعد انسحابه منه عسكريا، لا لشيء الا لابلاغ حلفائه الاقليميين من اسرائيل الى دول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية بأمر اساسي مفاده، ان ساعة وصول تداعيات حرب اوكرانيا الى الشرق الاوسط قد حانت، والمطلوب اكثر من اي يوم مضى تضامن حلفاء واشنطن مع متطلبات الصراع مع بوتين، لعزله عن ايران وفك الترابط بينهما، ما يفترض انجاز توقيع الاتفاق النووي لسحب ايران الى جهة الغرب، وضرب محور ايران - الصين - روسيا .ثمة اتصالات ونشاطات دبلوماسية اميركية تجري في كواليس المنطقة، ولا سيما مع الحلفاء لاستنباط صيغة ترضي حلفاء واشنطن، إن هي اقدمت على توقيع الاتفاق النووي .تلك الصيغة تجد مجالا لضمانات تعطى للحلفاء في المنطقة، من اسرائيل الى دول مجلس التعاون ولا سيما المملكة العربية السعودية، ليس اخرها موافقة ودعم واشنطن، لما سُمي هيكلا امنيا اقليميا جديدا بشّر به وزير الخارجية الاسرائيلي، اثناء اجتماع النقب الاخير في شهر اذار الماضي .حرب اوكرانيا غيّرت في اولويات ادارة بايدن، التي تبقى طليعتها الصين لكن مع اضافة الى نفس الدرجة الموضوع الايراني، ما حتّم على بايدن العودة الى الحلفاء الاقليميين لدعمه، ومحاولة تذليل مخاوفهم سيّما وان الاهداف الاستراتيجية لواشنطن في المنطقة باتت مركّزة على ٣ محاور متزامنة :
فك الارتباط بين موسكو وطهران، وهنا يدخل العنصر السوري الذي تحاول طهران امساكه مجددا حصريا من ايدي موسكو .عزل الرئيس الروسي بوتين عن المحيط الاقليمي الشرق الاوسطي .تفتيت التحالف الايراني الصيني الروسي.
فواشنطن وسعّت رقعة مواجهتها لبوتين من حدود اوكرانيا، الى حيث تقاطع او وجود مصلحة روسية في العالم، بدءاً من الشرق الاوسط وفي اية بقعة من بقاع الارض، تمهيدا للانتهاء من بوتين والتفرغ للصين .من هنا اهمية الحراك الجاري حاليا في المنطقة، والمتزامن مع تعثرات ميدانية للروس في اوكرانيا، وقد سجلت القوات الاوكرانية انتصارات ميدانية هامة خلال اليومين الماضيين، ما يعمّق المأزق الروسي خصوصا في ظل ما يقال انه ممنوع على بوتين ان ينتصر في اوكرانيا .في الامس زار امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني ايران، وعقد اجتماعات مع كل من الرئيس الايراني والمرشد، حيث تناول البحث الملف النووي وضرورة ان يكون الاتفاق عادلا .والعدل المقصود قد يعني اتفاقاً وإفراجاً عن اموال، في مقابل لا إفراج عن الحرس الثوري، وبالتالي استمرار العقوبات عليه وعلى دوره الاقليمي .فالحوار غير ممكن مع الحرس وميليشياته في المنطقة، من حزب الله الى الحشد الشعبي الى الحوثيين وسواهم، لان الحوار مع هؤلاء جُرّب اكثر من مرة ولم يفض الى نتائج، كما ان الرياض نفسها في حوار مباشر مع طهران في بغداد ولا اي خرق تحقق .
يضاف الى كل هذا ان واشنطن باتت مقتنعة، بأن حرب اوكرانيا ليست مجرّد حدث جيو سياسي موضعي، بل نقطة تحوّل كبير وحاسم، باتجاه اعادة هيكلة اقتصادية جغرافية للعالم، تؤسّس لنظام عالمي جديد الى حد القطيعة النهائية والشاملة مع روسيا، تمهيدا للقطيعة مع الصين او في احسن تقدير تحجيم لهما .زيارة بايدن ستطلق اشارة التحولات الاقليمية، بدءاً من توقيع الاتفاق النووي مع طهران، لكسر احتكار روسيا والصين لها، مرورا بتأسيس نظام اقليمي امني، يضمن لحلفاء واشنطن حماية جماعية من النووي الايراني، بموازاة اعادة تشكل الناتو مع طلب انضمام فنلندا والسويد اليه، فيما يعتبر اكبر تهديد لامن روسيا ان حصل، وصولا الى اعادة هيكلة امدادات الطاقة الى اوروبا، وقد بدأ الرئيس بوتين استخدام ورقة النفط والغاز، فيما اوروبا لا تبدو مذعورة من مثل هذا الاستخدام، وهي في ما تملكه من مخزون يخدمها حتى الشتاء المقبل، وقد بدأت الدول المنتجة في اوروبا للطاقة البديلة تعمل على الاكتفاء الذاتي، والاستغناء اعتبارا من العام ٢٠٢٢ من الطاقة الروسية، خاصة وانّ اوكرانيا اعلنت رسميا انها باتت بحل من ايصال الطاقة من روسيا الى اوروبا .اسابيع تصعيدية تنتظرنا في العالم والمنطقة، وزيارة الرئيس بايدن اهم تطور مثقل بنتائج وتداعيات على دول المنطقة .