العونيون من "بي الكل" الى "فوق الكل"

مساع-لاستيعاب-التوتر-بين-حزب-الله-و-التيار-الوطني-الحر-

تسعى الحالة العونية منذ قيامها عام 1988 مروراً بتأطيرها ضمن حالة حزبية هي "التيار الوطني الحر" وصولاً الى اليوم لإضفاء طابع الترفّع من جهة وأنها من جهة أخرى عابرة للمكونات الطائفية أفقياً وللاصطفافات السياسية عمودياً. في هذا الاطار، جاء موقف رئيس "التيار" النائب جبران باسيل في 25/6/2023 القائل "لسنا 8 ولا 14 آذار وواقعنا نحن هكذا".

صادق باسيل بقوله لأن المصلحة العونية ومصلحته الشخصية "فوق الكل" أي فوق "8 و14 آذار"، لكن هذا لا يمنحه صكّ براءة من خدمة فريق "8 آذار" وعلى رأسه "حزب الله" ربما أكثر من المكونات العضوية للفريق نفسه. فما قدّمه "التيار" من حيث حجمه الشعبي والسياسي ومروحة علاقاته داخلياً وخارجياً ومن غطاء مسيحي لا يقارن بما يمكن لـ"خلية حمد" أو "اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين" أو "تيار المردة" أو "الارسلانية" أو النواب المسيحيين من إيلي الفرزلي الى ألبير منصور ان يقدموها. فمردود "التيار" يتفوّق عليهم مجتمعين.

فعام 2006 يوم وقّع "التيار الوطني الحر" إتفاقية "مار مخايل" ويوم شارك في ضرب الخيم في وسط بيروت لمحاصرة السراي فشُلّت الحركة الاقتصادية، أو عام 2007 يوم شارك في "الثلثاء الاسود" أي حوادث 23 كانون الثاني عبر "بروفا" الفوضى "المنظّمة" من خلال قطع الطرق وحرق الإطارات ورمي الحجارة، أو عام 2008 يوم برّر إستباحة بيروت عسكرياً في "7 أيار"، أو عام 2011 حين استقال في 11 كانون الثاني وزراء "الثنائي" و"التيار" واعلن الجنرال ميشال عون قطع One way ticket لرئيس الحكومة حينها سعد الحريري وتشكلت حكومة ميقاتي في 13 حزيران عقب عراضة "القمصان السود"، أو عام 2012 حين برّر لـ "حزب الله" صعوده الى سوريا وقتاله الى جانب النظام، أو … أو … أو… كان "التيار الوطني الحر" أكثر "8 آذارية" من قوى "8 آذار".

في المواجهات المفصلية والاستراتيجية المتعلّقة بمصير الاوطان والشعوب لا يمكن للاطراف السياسية إدعاء "الترفّع" حتى نظرياً عن أخذ الخيارات والا تنتهي خارج المعادلة وخارج الحياة السياسية.

قول باسيل "لسنا 8 ولا 14 آذار" من أجل الادعاء انه "فوق الكل" وفوق الانقسامات لا ينطلي عملياً على أحد وما جاء أعلاه عيّنة عن دور "التيار" الداعم لـ "8 آذار". كما ان قول مستشار عون وموفده الدائم منذ مرحلة الثمانينات لدى نظام الاسد الوزير السابق بيار رفول عبر "صوت المدى" في 25/2/2021: "التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية في محور المقاومة والممانعة الذي إنتصر" يعكس حقيقة رهان "التيار".

هذا النهج ليس جديداً على "التيار" فالادعاء انه "فوق الكل" يذكّرنا بمقولة "بي الكل" التي حاول التسويق لها لتلميع صورة الجنرال ميشال عون كرئيس للجمهورية والتي سقطت بالممارسة عبر سنوات العهد الست وهي ساقطة أصلاً نظرياً لأن في السياسية ليس المطلوب "بي كل" بل رجل دولة يتعاطى مع الكل بالعدل وفق الدستور والقوانين لا بعواطف أبوية.

كما أن هذا النهج يذكّرنا بترويج "التيار" لمقولة "لا دم ولا عمالة ولا عمولة" على يديه وكأنه كان فرقة من "الصليب الاحمر" خلال حروب "التحرير" و"14 شباط" و"الالغاء" أو كأن لا ناقة له ولا جمل في قضايا كتوقيف الجنرال فايز كرم والافراج عن عامر فاخوري أو كأن الزبائنية في التوظيفات وعلامات الاستفهام حول أدائه في الوزارات والهدر الذي يشكّل احد اوجه الفساد ليس إلا "عمولة مقنّعة".

كذلك ينطبق هذا النهج على نظرية ان "التيار" عابر للطوائف حيث يتذكّر اللبنانيون قول باسيل في 28/5/2017: "لن يكون هناك احتكار لاحد من الطوائف والتيار الوطني الحر يطمح بأن يكون التيار الشيعي الثالث لدى الطائفة الشيعية، والسنة ستعطينا هذه القدرة والامكانية، قدرة التنوع للوحدة لا التنوع للتخريب والتقسيم، بل لكي نغتني ونقوى اكثر، واليوم التيار في البقاع الشمالي وغدا في عكار وطرابلس والاقليم وكل مناطق لبنان لنثبت حب الناس ووجود الناس في هذا التيار". كذلك في 14/7/2017، قال باسيل: "بالهرمل قلنا بدنا نكون التيار الشيعي الثالث وهون بالشوف عم نقول بدنا نكون التيار السنّي الثاني" . لكن صناديق الاقتراع أظهرت ان "التيار" كسائر الاحزاب الرئيسة في لبنان طائفية مع "تلوينة" من مذاهب أخرى، وعدم فوزه في انتخابات 2022 مثلاً بأي نائب غير مسيحي خير دليل.

لذا سَعِي باسيل لاضفاء طابع الترفّع من جهة وأن "تياره" من جهة أخرى عابر للمكونات الطائفية إفقياً وللاصطفافات السياسية عمودياً لا يجدي نفعاً. فوحدها الممارسة على ارض الواقع الى جانب عامل الوقت ترسم الإطار الذي يضع فيه اللبنانيون "التيار".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: