الفرد ماضي في ذكرى استشهاد بشير: اي صيغة لن تكون لصالح المسيحيين في ظل هيمنة السلاح والمطلوب استراتيجية موحدة لمواجهة هذا الخطر

523008Image1

اختصر رئيس اكاديمية بشير الجميّل الفرد ماضي كلامه حول بشير في ذكرى استشهاده، بالقول: بشير قال اكثر من مرة “انا دفنت الصيغة” التي ولّدت فساداً ومحاصصة وغشاً ولم تسمح بقيام الدولة. هم اعادوا احياء تلك الصيغة واضافوا اليها مزيداً من التعاسة لذلك وبعد 41 عاماً المحاصصة والفساد واللادولة تضاعفت لا بل ضُربت بالمليون عمّا كانت حينذاك حيث لم نكن راضين عنها فكيف بالحري اليوم. واضاف: هذه خلاصة التعلّق الشعبي ببشير، بهذا الحلم، بهذه الدولة التي بناها في ظرف واحد وعشرين يوماً.
وعن فشل المسيحيين بفرض الفدرالية او النظام الذي يطمحون اليه، لفت ماضي في حديث صحافي الى ان بشير كان واضحاً في قوله “طالما هناك احتلال فلا جدوى من التكلم بالصيغة”. كانت يومها كل الصيغ موجودة، وكان هاجسه ان يتلاقى مع الشريك المسلم بصيغة مقبولة من الطرفين، ولكن لا يمكن التحاور على صيغة فدرالية كانت ام مركزية، والسلاح موجّه نحو رؤوسنا. حينها كانت هناك منظمة التحرير وسوريا واليوم يوجد حزب الله وايران. لذلك ليس من الوارد ان يتكلم بشير بصيغة، ولكن عندما انتخب رئيساً للجمهورية كان لدى فريق عمله 3 صيغ قابلة للطرح وهي: باختصار امّا الصيغة الموجودة وتطبيق الدستور الذي يفرض رئيساً واحداً للبلاد لا ثلاثة رؤساء، وامّا التحدث بصيغة اخرى يمكن الاتفاق عليها، لامركزية كانت ام فدرالية، وامّا الذهاب الى حلّ ثالث قد يكون كونتونات او اي حل آخر يمكن للبنانيين الاتفاق عليه، الا ان بشير لم يكن مستعداً لفرض صيغة معينة، ومهما كانت الصيغة، وهي احد اسباب ترشحه للرئاسة، كان يجب ان يكون بشير رئيساً لكي نتمكن من المحافظة على ثابتتين: عدم تدخل الغريب في شؤوننا حتى يتنسى لنا التكلم بحرية مع الشريك الآخر، وان يكون الوجود المسيحي مصاناً كما وجود بقية المكوّنات، ان كان ضمن الـ 10452 او ضمن اي شيء آخر. واستشهد ماضي بعبارة البطريرك صفير، والتي سبق ان قالها بشير ايضاً “اذا خيّرنا بين الحرية والعيش المشترك نختار الحرية”.
وجزم باستحالة تطبيق اي صيغة في ظلّ هيمنة السلاح غير الشرعي على الدولة. واضاف: ضمن ميزان القوى الحالي، من الخطأ طرح اي صيغة لانها لن تكون لصالح المسيحيين ولصالح الشعب اللبناني بكلّ مكوناته، من هنا، ان البلد بحاجة لتضافر جميع ابنائه ولفريق من كل الطوائف تكون مهمّته وضع استراتيجية واضحة لمجابهة الخطر الاستراتيجي. ومواجهة مثل هذا الخطر لا تكون بالتفاوض على صيغة قد يؤدي في نهاية المطاف الى الخسارة. وقد جرّبنا هذا الامر، اتى رئيس جمهورية “قوي” مقرّب منهم فماذا اعطوه؟
وذكّر ماضي باللقاء الذي جمعه بالسفير فيليب حبيب في الثمانينيات في الولايات المتحدة الاميركية وقوله له “بلّغ قيادات الكتائب وبشير بانهم لو لم يكونوا اقوياء ويقاتلوا ويصمدوا لما كنا تفاوضنا معهم”.
وعمّا اذا كان من الضروري ان تُترجم تلك الخلاصة اليوم، ام ان معادلة القوة يجب الا تبقى هي الحَكَم بين مكوّنات المجتمع اللبناني، قال ماضي: انا افضل الا تحكم تلك المعادلة، ولكن سبق ان قرر حزب الله ان تكون هي الحَكَم، وليس المسيحي من قرّر ذلك. نحن اليوم كما كنا في حرب السنتين، كنا ندافع عن وجودنا، نحن اليوم بالوضع ذاته، هناك من قرّر ان يخطف لبنان والى الآن للاسف يوجد انقسام سني- مسيحي- درزي يمنعنا من مواجهة هذا الخطر الاستراتيجي. برأيي يجب وضع كل الخلافات جانباً، واي صناعة للسلطة يجب وضعها جانباً، واتوجه خاصة الى المسيحيين، بضرورة الاتفاق على الثوابت وعلى مواجهة هذا الخطر الذي لا يمكن مجابهته بطرح صيغة انما بطريقة اخرى.
وعمّا اذا كان بشير يؤمن بانّ القوي هو الذي يفرض شروطه، اجاب ماضي: ما قمنا به كان بهدف تعادل ميزان القوى. حاربنا سنتين ولم نكن نعرف السبب لماذا نحارب. وفهمنا السبب عندما قمت باول زيارة للولايات المتحدة سنة 1977 وفتحت مكتبي سنة 1978 حينها بدأنا نفهم اين هو القرار. وبعد حرب المئة يوم، اكتشفت بالصدفة في الولايات المتحدة الاميركية، الاتفاق الذي تمّ بين حافظ الاسد وايجال آلون بواسطة كيسينجر والتفاوض كان قد بدأ في سنة 1974، وما قاله حافظ الاسد بانه دخل الى لبنان من اجل المسيحيين او من اجل الفلسطينيين غير صحيح انما دخل من اجل تحقيق مصالحه الخاصة بعد تأمين الغطاء الاسرائيلي والاميركي.
وتابع ماضي: كيف يمكن اليوم التفاوض وتضييع الوقت في طرح صيغ يميناً وشمالاً. طرح الصيغ جعلنا نتخاصم ونتقاتل بين بعضنا البعض. الا يكفينا مدى قوة الحزب؟ والاكيد انه الاذكى. اليوم نحن قابعون تحت رحمة هذا الساطور في وقت نتلهى بجنس الملائكة. الاكيد ان بامكاننا وضع خطة وهذا ليس بالامر الصعب.
ماضي ايّد القول بأن الدور المسيحي والسيادي تراجع بسبب سقوط او رحيل بشير الجميّل، وقال: منذ رحيل بشير لم يظهر شخص او مجموعة مثله. لا احد مثل بشير ولن يكون. هذه قصة نجاح اسمها بشير الجميّل. وهذه الظاهرة كما قال عنها الاب عبو هي “اسطورة”. وقتها اتُفق على ان قضية مع قائد وشعب ولّدت تلك المعادلة، اليوم يمكن انشاء فريق عمل يبحث في كيفية تحرير بلدنا.
وعن اسباب بقاء “مقولة بشير حي فينا” بعد 41 سنة على رحيله، اكد ماضي ان ما ابقى بشير حيّاً فينا وفي الذاكرة الجماعية هو الفشل الذريع للطبقة السياسية التي حكمت لبنان، سائلا: هل يعقل ان تُفلس الدولة وان تُسرق اموال المودعين ولا من يدري؟ السلاح يحمي الفساد والطبقة الفاسدة ضمن معادلة بقاء السلاح مقابل حماية الفساد ولا احد قادر على فكفكة هذه المعادلة. نتمنى من حزب الله بالرغم من انني استبعد ذلك، ان يعود الى كنف الدولة ويتخلّى عن سلاحه. واستشهد ماضي متأسفاً بقول الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله “ان علينا تجويع مليوني لبناني حتى نتمكن من جعل الساحة اللبنانية ساحة جهاد” وهذا ما حصل، جوّع اللبنانيين جميعهم فضلاً عن السوريين.
ماضي سئل هل دولة بشير اصبحت حلماً ام وهماً وهل يمكن ان تُطبق اليوم؟ اجاب: دائماً لدينا هذا الهاجس “لو بشير حكم”، ولكن بشير حكم ورأينا كيف حكم وفي ظرف 21 يوماً، ومن 3 خطابات، اقام دولة باعتراف الجميع حتى اخصامه فكيف يمكن ان تكون دولة بشير حلماً؟ والاكيد ان هذا الحلم ليس وهماً وقد تحقق لـ 21 يوماً عندما كان بشير رئيساً للجمهورية. ولكن كلّ مبادئه ودولته رحلت معه لان الطبقة السياسية اعادت انعاش الصيغة الحالية. وصار هناك فنون للفساد اكثر من السابق.
وعما اذا كانت القضية اللبنانية تضررت لارتباطها الوثيق بشخص بشير الجميّل، شدد ماضي على وجوب الحكم على ما انجزه بشير منذ 41 سنة، قبل ان ينتخب رئيساً وبعد انتخابه، والامل الذي اعطاه للجميع المسلم قبل المسيحي. ويجب الحكم اليوم على ما يقوله اخصامه. وكشف انه بصدد اعداد وثائقي عن بشير من اخراج يوسف الخوري، ينطلق من زاوية مختلفة تسلّط الضوء على آراء من قاتل ضده لنعلم ان مشروع بشير ليس حلماً ولا وهماً بل حقيقة يفتش عنها اليوم كلّ اللبنانيين. انما مشكلتنا الوحيدة اننا غير قادرين على الاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة هذه المرحلة.
وعن مكامن الخطأ او الضعف بخيارات بشير السياسية، رأى ماضي ان نتيجة تلك الخيارات كانت رائعة. اضاف: عندما انطلقنا سنة 1969 كنا عرضة للسخرية، وفي سنة 1977 عندما ذهبنا الى الولايات المتحدة الاميركية، اعتُبرنا بمثابة الاولاد، وكنا نبلغ من العمر آنذاك 29 سنة. ولكن هذا الحلم الذي بدأ بمطعم حول صحن فول تحوّل الى الاسطول السادس الذي اتى سنة 1981 ليأخذ بشير في زيارة للولايات المتحدة الاميركية. فأين الخطأ الاستراتيجي؟ كان السوري والفلسطيني يمنعاننا من التحدث مع الشريك المسلم، لكننا كنا مصرّين على هذا الحوار وبشير قام بكل جهده، ولم يخطئ ابداً استراتيجيّاً، لا بعلاقاته الدولية ولا بعلاقاته الاقليمية ولا بمحاربته للفساد ولا بتوحيد المسيحيين، الذين هم اليوم احوج ما يكون الى هذه الوحدة.
واعتبر ماضي ان ما سرّع بموت بشير هو بشير. “فقد كان الامن عنده صفر”.
وعن قول الياس سركيس ان بشير كان مستعجلا وكان يريد ان يسير مسرعاً، فاحرق كل المراحل وانتهى باحراق حياته، قال ماضي: كان مسرعاً صحيح ولكنه كان مسرعاً لسبب. واضاف: كانت هناك وجهة نظر ترفض ان يأتي بشير رئيساً ولكن الاكثرية كانت تؤيد مجيئه لان من دونه كنا سنمرّ بمرحلة صعبة جداً في وقت المنطقة تغلي والفساد مستشري، وكنا نخاف، اذا لم نستلم السلطة، ان يذهب نضالنا سدى. حتى البطريرك حكيم الذي لم نكن على علاقة جيدة معه، عندما سأله الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان سنة 1981 من تريد رئيساً للجمهورية في لبنان، كان جوابه بشير الجميّل، رغم الاختلاف معه، لكنه كان يعتقد ان مجيء بشير هو لمصلحة المسيحيين بالشرق واللبنانيين جميعاً.
وعمّن قتل بشير، وهل من دور للرئيس السوري حافظ الاسد او للروس او ربما لياسر عرفات، اجاب ماضي: اليوم هناك شخص قتل بشير اسمه حبيب الشرتوني، ومحرّكه نبيل العلم. ومعلوماتنا كانت تقول ان بداية فكرة قتل بشير كانت مع “أمن 17” التابعة لمنظمة فتح التي وافقت على ذلك واتفقت مع العلم على اقناع السوري بالامر، والسوري “من دون دف بيرقص” لانه كان مرتعباً من فكرة ان يتحوّل لبنان الى محطة لعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل ومع العرب وان يخسر تلك الورقة التي تضمّ الفلسطيني والمسيحي. من هنا وافق هؤلاء الثلاثة على قتل بشير. ولكن هل الروس كانت لهم علاقة بذلك، انا لا اعلم. انما اذا اردنا الدخول في التحليلات، ربما خافوا من ان يصبح لبنان مركزاً للاسطول السادس او خافوا من علاقته بالولايات المتحدة الاميركية ولكن معلوماتنا تقول ان “امن 17” وحافظ الاسد هما من اتخذا قرار قتل بشير.
وتابع ماضي: هم يقولون انهم قتلوا “المشروع”، وقصدهم بالمشروع، علاقتنا مع اسرائيل، ولكن هذا المشروع الذي قتلوه اصبح موجوداً اليوم، واساساً هو موجود في سوريا، واصبح موجوداً في العراق والاهم في ايران. ايران علاقتها مع اسرائيل استراتيجية وهي المسؤولة عن الخليج الذي اصبح له علاقة مع اسرائيل، وهذا المشروع موجود ايضاً في المغرب العربي ومصر والاردن. ما هذا الذكاء الحاد بالقول اننا قتلنا مشروعاً. اي مشروع؟
وختم ماضي برسالة وجهها الى الجيل الشاب في ذكرى استشهاد بشير قائلا: هناك امل لا تخافوا من المخاطرة، لان من دونها لا يمكن الوصول الى المبتغى. العالم هو للشباب الذي يخاطر والذي يملك ثقة عالية بالنفس. هذا الجيل هو الذي سيبني لبنان الجديد. امّا الرسالة الثانية فوجهها الى اللبنانيين قائلا: اتفقوا وانسوا لعبة السلطة. فلنجلس سويا لوضع خطة استراتيجية لمحاربة خطر حزب الله وسلاحه. لا مكان للخوف، فلنخاطر، هناك امل للبنان والمستقبل جيد.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: