لطالما عانى اهالي البقاع الغربي وراشيا كابناء مناطق لبنانية عدة من قوانين “المحادل” و”البوسطات”. إلا انه مع إعتماد قانون أنتخاب جديد في العام 2018 ودخول عامل النسبية تبدّل المشهد في معظم الدوائر ذات البنية المجتمعية المتنوّعة والتعددية الحزبية، وشعر المسيحيون ان بإمكانهم إيصال نحو 50 نائباً من اصل 64 مخصصين لهم في اطار المناصفة في مجلس النواب المؤلف من 128 عضواً وذلك اما بتأثير كلي أو جزئي. كما لعب عامل التحالفات السياسية دوراً رئيسياً الى جانب الاحجام الانتخابية في ظل القانون الجديد.
إلا أن دائرة البقاع الغربي وراشيا شكلت مفارقة نسبة لسائر الدوائر الاربع عشرة الباقية من حيث مجرى العملية الانتخابية، إذ خرجت يومها الاحزاب الوازنة مسيحياً وفي مقدمتها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” من السباق الانتخابي. كأن هناك من لا يريد أن يخرج الناخب المسيحي من القمقم الذي تشكل في ظل الاحتلال السوري فيبقى صوته في خدمة مرشحي البيوتات السياسية والخدمات والزبائنية او المرشحين الذين لا يجسدون بشكل كبير واقع البيئة المسيحية بل يعتمدون على أصوات البيئات الاخرى.
في انتخابات 2022، نجح “حزب الله” في اطار خوضه معركة الحفاظ على غطائه المسيحي والسعي لإيصال أكبر عدد من النواب لـ “التيار الوطني الحر” بجمع “التيار” مع حركة “أمل” ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي – رغم الاتهامات المتبادلة بينهم والاشتباك السياسي الحاد – ضمن لائحة تضم كل أطراف قوى “8 آذار” بمن فيهم آل مراد وآل الداود.
في المقابل، فشلت القوى التي كانت تدور بفلك “14 آذار” في تشكيل لائحة موحّدة والأسوأ أن الضغوط التي مورست على لائحة “بقاعنا أولاً” أدت الى انسحاب المرشحَين السنيين رئيس اللائحة خالد العسكر والعميد المتقاعد محمد قدورة لإحراج “القوات اللبنانية” وإخراجها. إلا ان “القوات” أكدت أنها مستمرة بخوضها المعركة عبر مرشحها المحامي الشاب داني خاطر وفق ثلاثية: الوجود والشراكة والسيادة، إذ:
1- تشكل المعركة الانتخابية في البقاع الغربي وراشيا فرصة لتؤكد “القوات اللبنانية” حجم وجودها وتقطع الطريق على المشككين بحضورها من الاقربين والابعدين وتثبت انها جزء من المعادلة الانتخابية وليس فقط السياسية ولا يمكن إلغاؤها أو الاستخفاف بها.
2- تريد “القوات” عبر هذه المعركة التمسك بالشراكة الفعلية لا الصورية والقائمة على الندية لا التبعية بين المكونات كافة خصوصاً ان المسيحيين في هذا القضاء يشعرون حتى بعد العام 2005 بأن ثمة من يطمع دوماً بأصواتهم في صناديق الاقتراع ويضيق على إختيارهم مرشحيهم.
3- تتمسك “القوات” بالبعد السيادي للمعركة الانتخابية في البقاع الغربي وراشيا أسوة بباقي الدوائر، لأنها تعتبر أن المدخل الالزامي للحل يبدأ من الباب السياسي أي بتحرير الدولة المخطوفة جراء فائض القوة وعنجهية السلاح. لذا تصرّ على ان تقدم للناخبين عبر مرشحها داني خاطر خياراً سيادياً بإمتياز.
مع إقفال صناديق الاقتراع مساء 15 أيار الحالي، سيتبين مدى حضور “القوات” في البقاع الغربي وراشيا ومن سيحصد العدد الاكبر من اصوات المسيحيين ومدى تداعيات قطع الطريق على تشكيل لائحة سيادية “14 آذارية” – عبر وضع Veto على التحالف مع “القوات” – على الحواصل والمرشحين الفائزين.