المبادرة الرئاسية والمفاوضات المباشرة مع إسرائيل

barrak aoun

كتب سامر زريق في صحيفة "نداء الوطن":

كل الطرق تؤدي إلى المفاوضات مع إسرائيل. لبنان يرزح تحت وطأة حالة انسداد سياسي مع ارتفاع الضغوط الخارجية، معززة بالمزيد من الشروط من قبل "صندوق النقد" و"البنك الدولي"، في موازاة انحسار الاهتمام به، كما بدا في الاجتماعات السنوية لـ"الجمعية العامة للأمم المتحدة"، مرورًا بـ"قمة شرم الشيخ للسلام"، وصولًا إلى الضبابية المحيطة بمؤتمري دعم الجيش اللبناني وإعادة الإعمار اللذين أعلنت عنهما فرنسا.

لتصبح بالتالي كل المسارات مرتبطة بإيقاع "السيمفونية الجديدة" التي تحدّث عنها سفير أميركا في أنقرة توم براك في مقالة له على منصة "أكس"، والتي يمكن اعتبارها بمثابة خارطة طريق تؤكّد أن لبنان جزء من استراتيجية اليوم التالي للمنطقة، لكن الخيار متروك لصناع قراره كي يأتوا طوعًا أو إكراهًا.

فإمّا أن يأخذوا بزمام المبادرة للدخول في مفاوضات مع إسرائيل من أجل الانضمام إلى واحدة من أهم جهود إعادة الإعمار منذ أوروبا ما بعد الحرب، أو مشروع "مارشال المنطقة"، وإمّا أن يحصل ذلك بعد "انهيار مؤسّسي كامل" كما أشار براك. بمعنى آخر إما مبادرة ذاتية تحفظ للبنان هامشًا محدودًا من المرونة، وإما إخضاع قسري يزيد من ضعف موقفه على الطاولة.

من هذا المنطلق يمكن فهم المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية للدخول في مفاوضات سياسية مع إسرائيل، وسبب ترحيب الرئيس بري بها، ليس لكونها الحل الوحيد المطروح، بل لأنها أيضًا تعيد تصويب المسار الدستوري للمفاوضات الذي يدخل في صميم صلاحيات الرئاسة، بما يرفع عن كاهله الكثير من الحرج في الداخل، وخصوصًا على المستوى الشيعي في لحظة ينهار فيها كل النفوذ المؤسسي الذي جرت مراكمته منذ "انتفاضة 6 شباط 1984".

فيما صمت "حزب الله" عن إبداء موقف علني لعدة أيام عائد إلى معرفته أن المبادرة تمهيد لمفاوضات ثنائية مباشرة برعاية الوسيط الأميركي. انتظر صدور إشارة من الملالي قبل أن يمنح المبادرة نصف تغطية من خلال قبوله بانتقال المفاوضات من المستوى العسكري إلى السياسي، مع رفضه أن تكون مباشرة، حيث طفق يوجّه رسائل على لسان نواب ورجال دين يلوّح فيها بتهديد السلم الأهلي في حال حصول ذلك.

يدرك "الحزب" أنه لا فرق جوهريًا بين الحديث مباشرة أو عبر الوسيط الأميركي طالما أن الطرفان في مكان واحد، لكنه يسعى من خلال نصف التغطية هذه للحؤول دون تعرّضه وحاضنته لعاصفة تدميرية مهولة، مع الحفاظ على هامش من المناورة يعينه على توظيف خطابه الرفضي كأداة ضغط على الدولة لتحسين مكتسباته ضمن بنية النظام السياسي.

إلى ذلك، عمِلت بعبدا على تحصين المبادرة الرئاسية بغطاء وطني جامع، اشتمل على نقلة ذكية لتعزيز الغطاء السني، ولا سيما حينما تنتقل إلى التفاوض المباشر، تتمثل بالدعوة إلى السلام التي أطلقها في برنامج "صار الوقت" أحد الناشطين من طرابلس، والتي لطالما اشتهرت بتماهيها مع النبض العروبي والإسلامي، فكانت رسالة تتوخّى قياس نبض الشارع السني عليها. مرّت الرسالة بهدوء، ولم يعقب عليها النواب والسياسيون السنة، ليكون صمتهم بحدّ ذاته موقفًا مؤيدًا ضمنيًا يجسّد تقبل الشارع السني.

لو كانت هناك معارضة صلبة لهذه الخطوة، لما أمكن صاحب الدعوة العودة إلى منزله ومدينته بيسر وممارسة حياته، فيما موجة الانتقادات التي طالته، كانت محدودة، ولم تخرج عن الإطار المتوقع، وغالبيتها متأثرة بخطاب "الإخوان المسلمين". أما اعتذاره فكان شكليًا ومرتبطًا بانتهاء دوره. هذه الرسالة تعدّ الثانية من نوعها، بعد الدعوة التي أطلقها نائب عكار وليد البعريني للتطبيع مع إسرائيل طالما أنه السبيل المتاح لإنقاذ لبنان، وكانت ردة الفعل محدودة أيضًا.

بعدما قطعت المبادرة الرئاسية شوطًا لا بأس به، وصار النقاش في تشكيل الوفد المفاوض ومستوى التمثيل السياسي، لا يزال رئيس الجمهورية يدرس خطواته بتأنٍ شديد، حيث ثمّة ضغوط دولية هائلة لرفع إيقاع المفاوضات وجعلها بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، رون ديرمر، ومن يناظره على الصعيد اللبناني، من أجل البحث الجدي في المسائل العالقة. وفي هذا الإطار، تشكّل المفاوضات السورية – الإسرائيلية المباشرة عاملًا مساعدًا لإطلاق مسار لبناني مشابه برعاية أميركية، خصوصًا في ظل عدم وجود بديل آخر على الطاولة سوى الإخضاع القسري، مع ما لذلك من تبعات كارثية على صعيد الدور والنتائج.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: