بات اليوم موضوع المثلية الجنسية واحداً من ابرز المواضيع المطروحة على طاولة النقاش، خصوصاً في ظل الأخذ والرد الذي يصيب هذا الموضوع والاراء المتناقضة حوله، ما بين مؤيد ومعارض في المطلق لهذا الأمر، حيث بات المجتمع اللبناني منقسماً الى فريقين: الفريق الأول ذهب بعيداً في تهديداته، مستخدماً العنف اللفظي والنقد الجارح والقاسي ووصل به الأمر الى حدّ تحليل سفك الدماء، في المقابل، ذهب الفريق الثاني باتجاه طرح المسألة من زاوية قانونية وصحية وإنسانية بحتة، في إطار “التماهي” مع تعاليم الكنيسة المبنّية على محبة الآخر وتقبّله بخلافه واختلافه من جهة أخرى، فطرحوا مشروع قانون لا يشرّع المثلية الجنسية، إنما يلغي تجريم هؤلاء بسبب هويتهم الجنسية،
علماً أن إلغاء التجريم لا يعني أبداً الإباحة، خصوصاً وأن تجريم المثلية الجنسية لم يؤدِ بأي شكل من الأشكال إلى التخفيف من هذه الظاهرة على مدى عقود، لأن ما يخفّف منها هو التربية وتعزيز الصحة النفسية والجسدية والعائلية.
كما أن النواب ال ٩ تعرّضوا الى حملة شعواء على مواقع التواصل الإجتماعي أدت الى تشويه صورتهم و موقفهم التشريعي والإنساني حيال هذا الموضوع، إذ أنهم لم يذهبوا باتجاه طرح تشريع المثلية الجنسية بحد ذاتها، بل إلى رفع التجريم بحق هذه الشريحة من المجتمع، من دون القبول بأي مطلب يريدونه، وبالتالي لم يقبل النواب بما يطالب به المثليون على الإطلاق، لا في مجال تشريع حضورهم، ولا قوننته، ولا أي أمر مرتبط بموضوع الزواج والتبنّي وغيرها من المسائل التي تُطرح في دول أخرى.
عملُ النواب هذا تشريعي قانوني بحت يتماهى مع المبدأ القائل باحترام حرية الفرد وخصوصيته التي تحدث عنها البابا فرنسيس الثاني في أكثر من مناسبة، ومن ضمنها التطرق الى موضوع المثلية الجنسية بعد تفاقم هذه الظاهرة عالمياً بشكل لافت في السنوات الأخيرة، إذ إعتبر بابا الفاتيكان أن تجريم المثليين بسبب هويتهم الجنسية “غير عادل” وبأن “الله يحب جميع أبنائه تماماً كما هم”.
الحملات المركّزة على النواب التسعة، الذين صودف أنهم من المعارضة، تبعث على الريبة حول خلفيات مطلقيها خصوصاً أنها
اعتمدت التهديد والإساءة بشكل واضح وصريح.
واللافت أن الحملة الإلكترونية التي طالت هؤلاء النواب تشابهت في الشكل والمضمون مع تلك الحملات التي كانت تُقاد سابقاً خلال حقبة الاغتيالات التي عرفها لبنانوالتي طالت عدداً من النواب والسياسيين عبر تشويه سمعة الآخر وتحليل دمه؟ فهل هناك من رسائل سياسية توجه لهؤلاء النواب؟
عضو تكتل ” الجمهورية القوية” النائب رازي الحاج كان قد نفى، جملةً وتفصيلاً، الخبر الذي تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول إقتراح عدد من النواب تشريع ” “الشذوذ الجنسي”، مؤكداً أنه لم يتقدّم بأي اقتراح في هذا الإطار، وأن الهدف من “فبركة” مثل هذا الخبر هو تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق والإساءة والتشهير والنيل من سمعة كل مًن يعمل لخير المجتمع ومصلحة المواطنين”.
الرازي أكد أنه ” في ما خصّ موقفنا من المثلية الجنسية فهو ” لا للتشريع ولا للتجريم”.
تجدر الإشارة الى أن حوالي ٦٠ دولة من أصل ١٩٣ حول العالم لا تزال تجرّم المثلية الجنسية، وهي بمعظمها من دول العالم الثالث، فيما أثبتت التجارب أن تجريم المثلية لا يفيد في مكافحتها بأي شكل من الأشكال.