من يراقب الساحة السياسية اللبنانية اليوم وفي خضم المعركة الإنتخابية، يلاحظ غياب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن الساحة السياسية والحزبية بشكل خاص، وقد ظهر هذا الغياب في مناسبات سياسية وحزبية عديدة، أهمها وأبرزها كان ذكرى ١٦ آذار التي أحيت في دار المختارة، وإعلان لائحة دائرة الشوف عاليه وقد برز في المناسبتين وغيرهما بروز رئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط بقوة على الساحة وأنه قد بدأ يسجّل حضورا سياسيا وجماهرية بارزا، وهذا ما لا شك في أنه قد أثار تساؤلات عدة حول مستقبل الحزب التقدمي الاشتراكي سياسيا، جماهريا وحزبيا.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن جنبلاط الإبن لطالما كان ولا يزال يكثف من لقاءاته ومشاوراته مع الحلقة الضيقة المقرّبة منه ونواب اللقاء الديمقراطي طيلة فترة ممارسته الحياة السياسية والنيابية، إلا أنه لا نكشف سرا إن قلنا أنه بطبعه مبتعد عن الإعلام ولا يحبّذ الظهور الإعلامي والخطابات السياسية المطوّلة، إلا أن عمله أكثر بكثير من خطاباته القصيرة في المناسبات واللقاءات، وتكشف مصادر مقربة من الساحة “الإشتراكية” أنه وفي المرحلة المقبلة سيكون لتيمور جنبلاط مواقف وإطلالات سياسية وإنتخابية في مهرجانات ولقاءات حزبية بدأ الحزب التقدمي الاشتراكي يحضّر لها وقد بدأ بعض هذه اللقاءات تحصل مؤخرا، وذلك إستعدادا للمعركة الإنتخابية. وفي هذا الإطار تؤكد المصادر أن هذا الظهور الإعلامي لتيمور جنبلاط ومواقفه وخطاباته، لا يعني بتاتا أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بات خارج المسرح السياسي بل على العكس فإن كافة الظروف الراهنة المحلية والإقليمية والدولية تبقيه ضمن المعادلة السياسية وفي صلبها، وبالتالي جنبلاط لن يبتعد عن الحياة السياسية اللبنانية ولكن هذه المعركة الإنتخابية قد تكون الأخيرة له من حيث التحضير والإعداد من خلال اللائحة والمرشحين ونظرته حول الأمور، دون أن يعني ذلك أن نجله تيمور لا قرار له في هذه الإنتخابات خصوصا في الأمور الأساسية والبنوية للائحة والتحالفات والسياسات، إلا أن تيمور جنبلاط سيكون صاحب القرار الكلّي في الإستحقاقات المقبلة.
أما عما إذا سيكون هناك تمايزا بين وليد جنبلاط ونجله تيمور في المواقف والسياسة، تؤكد المصادر أن “الإختلاف في النظرة والرؤية والآراء هو شيء طبيعي ضمن كل حزب وبيئة وعائلة واحدة، وهذا موجود بينهما إنما هذا لا يعني أن تيمور جنبلاط سيتحوّل جذريا عن الثوابت والمسلمات والمبادئ التي لا يمكن الحياد عنها وأهمها القرار الوطني المستقل وسيادة الدولة وتمسّك لبنان بالخيار العربي والعلاقات التاريخية مع الدول العربية، إضافة إلى دعم القضية الفلسطينية والنظرة الإقتصادية الإجتماعية لتكون المسائل التربوية والصحية أكان على مستوى الجبل أم على المستوى الوطني العام.
وفي السياق ذاته، تضيف المصادر إلى أن النفس الشبابي يتظهر أكثر فأكثر على الساحة الحزبية الداخلية وحتى الإعلامية في الحزب، إضافة إلى أن تيمور جنبلاط يولي إهتمامه الكبير بالقضايا الشبابية ولقاءاته مع العنصر الشبابي في الحزب باتت شبه مكثّفة في الفترة الأخيرة، ما يضفي على دوره السياسي التاريخي لدارة المختارة، وسعة إطلاعه وثقافته الواسعة نكهة خاصة في إطار العمل الشبابي في الجبل إن كان على مستوى اللقاء الديمقراطي أو الحزب التقدمي الاشتراكي.
إذا، هو غياب ” مؤقت” يعطي فيه وليد جنبلاط المساحة لنجله تيمور لكي يثبت نفسه أكثر على الساحة الحزبية الوطنية، ولكي يضيف على الحزب وسياسته، نظرته الخاصة وهذا أيضا ما يظهر اليوم خصوصا في طريقة إعلان اللوائح والسبل الإعلامية التي يتمايز فيها تيمور لإظهار رؤيته وتوضيح المبادئ والتوجهات والأهداف التي يسعى اللقاء الديمقراطي لتطبيقها، إضافة إلى الرصانة والهدوء والدقّة التي يظهر فيها تيمور خلال خطاباته، وأيضا ما تؤكّده المصادر من “إرتياح” كبير لوليد جنبلاط من السلوك والمسار الذي يتبعه نجله في إدارة المواقف وتوجيه الرسائل السياسية بهدوء وقوة ظاهرتين. هذا يعني أن تيمور يستغل جيّدا هذه الفرصة، ولا شك في أن غياب وليد جنبلاط، كما حضوره، له تأثير كبير على مستويات عدّة، وغيابه كما حضوره أيضا، يقلق المتربّصين الذين لم يتلقفوا بعد الرسائل من تيمور جنبلاط بأن دار المختارة لا تضعف ولا تزول طالما لبنان باقٍ فهي علاقة مباشرة، فقوة لبنان وبقائه من قوة المختارة وبقائها، والعكس صحيح ومُثبَت على مدار التاريخ.