وضعت الدولة بسياساتها الخاطئة والعشوائية المصارف في مواجهة مع مودعيها والآن مع موظفيها. فلا خيار امامها سوى القتال للبقاء واكمال المعركة التي حتماً ستكون قاسية. وبسبب الوضع الكارثي والانهيار الحاصل على المستويات كافة، اجبر بعض المصارف على اقفال فروع له في المناطق فكان الموظف كبش محرقة في تلك المعركة. من بين تلك المصارف التي اضطرت على تقليص عدد فروعها بنك BLC وفرانسبنك الذي لم يلجأ الى دمج موظفيه بل ابلغهم بالتوقف عن العمل والتزام منازلهم مقابل دفع رواتبهم.
خوري: بدعة تؤشر لصرف الموظفين
رئيس نقابة موظفي المصارف في لبنان اسد خوري يصف هذا الامر بـ "البدعة". ويقول لـ LebTalks "هذه البدعة تلجأ اليها المصارف حاليّاً وتتمثل بارسال الموظفين الى منازلهم ولكن من دون صرفهم بحجة اعادة دراسة للمناصب والمواقع والمراكز التي كانوا يتولوها، في المقابل تستمر ادارات المصارف باعطاء اساس الراتب بالليرة اللبنانية وبهذه الطريقة تقول للموظف ان حقوقه لا تزال محفوظة في الضمان ولكن يبقى مرهوناً بالمصرف وينتظر اتصالا منه حتى انه لا يمكنه السفر الا باذن من المصرف".
ويعتبر خوري ان تلك "البدعة" مؤشر لصرف الموظفين في اطار اعادة الهيكلة. واذ يرفض الالتفاف على حقوقهم، يطالب المصارف بوضع بروتوكل منصف وواضح يحدد اساساً ثابتاً في التعاطي معهم كما وتحديد المدة الزمنية والآلية. كذلك يدعو خوري المصارف الى حسم خيارها وتحديد عدد الموظفين الذين يمكن إعادتهم إلى العمل لاحقاً وأولئك الذين ستوقفهم عن العمل.
نصار: لم ولن نصرف احداً
في المقابل يؤكد مدير عام مصرف فرنسبنك، ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك BLC نديم قصار لـ LebTalks "اننا لم ولن نصرف احداً، انما نحن مضطرون لاقفال عدد من الفروع في المناطق لتخفيف التكاليف الباهظة التي نتكبدها وخصوصاً ان الفروع التي اقفلت لم تعد تعمل منذ اربع سنوات لان القروض متوقفة. ويشير الى ان "كل فرع يكلّفنا 15 الف دولار شهريّاً بين مازوت وامور لوجستية اخرى ونحن مجبرون على تقليص نفقاتنا بالدولار الفريش حتى نتمكن من اعادة الودائع حسب تعميم مصرف لبنان، فضلا عن ان كلفة التنقلات اصبحت تساوي عشر مرات اكثر من راتب الموظف".
ويشدّد قصار على ان الموظفين الذين يلازمون منازلهم ما زالوا يحصلون على التأمين والطبابة والمدارس وكل التقديمات، اضافة الى راتبهم بالليرة اللبنانية زائد الزيادات التي اقرتها الدولة. ويضيف: "نحن نسعى الى التخفيف من الامور غير الضرورية من جهة والحفاظ قدر المستطاع على الموظفين من جهة اخرى الى حين تحسّن وضع البلد".
عجاقة: صراع المصارف صراع حياة او موت
الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة يرى من جهته في حديث لـ LebTalks ان اقفال المصارف لبعض فروعها يدخل ضمن استراتيجية تخفيف الكلفة والخسائر و"هذا مؤشر الى ان الاجواء سلبية وان لا افق لحل الازمة وقد اتت خطوة ارسال الموظفين الى منازلهم تلقائية كامتداد لاقفال الفروع". امّا الاستمرارية بالمطلق للمصارف فهي متعلقة بخطة الحكومة وعمل المجلس النيابي وخاصة اعادة هيكلة القطاع المصرفي. وهنا يسأل عجاقة "لماذا هذا التعمّد في تأخير اعادة الهيكلة؟ فلا شيء يمنع او يبرّر هذا التأخير".
ويشير عجاقة الى انه عندما تواجه الشركات الكبرى في فرنسا مثل تلك المشاكل كانت الحكومة تقدم عرضاً للشركة حتى لا تتخلص من الموظفين كاعفائها من الضرائب لفترة محددة ولكن ماذا يمكن لحكومة لبنان ان تقدّم للمصارف؟ ونحن نعلم ان اسس الدولة غير موجودة والقضاء والاجهزة الرقابية اضمحلت والخزينة مفلسة."
"بالخلاصة الموظف سيدفع الثمن مهما كانت الحلول" حسب عجاقة، لكنه يعتبر ان ذلك لا علاقة له بصراع رأسمالي ماركسي بين ارباب العمل والعمّال على الربحية انما هناك صراع حياة او موت بالنسبة للمصارف، والبقاء على الحياة مهدّد جراء اعادة الهيكلة التي قد تمحي اي مصرف من الوجود وبالتالي الحلقة الاضعف هي دائماً من يدفع الثمن".