المفتي حسن خالد.. “شهيد” الشراكة الوطنية

MEFTE

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

لا يأتي الحضور الدائم لمفتي الجمهورية الراحل حسن خالد من كونه تعرّض للاغتيال فقط، بل لأنّه كان صاحب منهجٍ إسلاميّ جامع يتخطّى الاعتبارات المذهبية والحزبية ويرتقي إلى مصافّ رجال الدين والدولة الكبار. فهو من قماشة الرعيل الذي عرف قيمة لبنان وأدرك سرّ قوّته ومكامن ضعفه، فكان دائم التطلّع لتعزيز نقاط القوّة وتحصين مواطن الضعف، وهو في كلّ مواجهاته السياسية الوطنية كان دائم التمسّك بالشراكة الإسلامية – المسيحية بكلّ أبعادها، فكان الثابت عليها في زمن العواصف الطائفية والمذهبية العاتية، وشكّل مع البطريرك الراحل نصرالله صفير ثنائيّ الدفاع عن لبنان، حتى انكسر جناح البطريرك باستشهاد المفتي فكان قدرُه أن يُكمل المسيرة حتى تحقيق الاستقلال الثاني، بينما ينتظر لبنان اليوم استقلاله الثالث.

لا يمكن استذكار حسن خالد من دون استحضار شهداء شكّل اغتيالهم هدفاً واحداً، هو تفريغ لبنان من الكبار العقلاء أصحاب الاستقلالية في التفكير وفي القرار، وأهل الجرأة والشجاعة والمواقف المليئة بالكرامة والعنفوان، فهؤلاء كانوا يكسرون هيبة نظام أدمن على إراقة الدماء، لأنّه عندما سيطر على دمشق فرض وجوده بعد إبادة حماة وحمص ومعرة النعمان وجسر الشغور… فأباد في لبنان العقول والرجال الحكماء، فكانت قافلة بدأت بالصحافيين سليم اللوزي في شهر آذار 1980 وهو المعروف بمعارضته الشديدة للنظام السوري، ورياض طه رئيس الجمعية اللبنانية للنشر في 23 تموز 1980، فالشيخ أحمد عساف في نيسان 1982… ثمّ الشيخ صبحي الصالح في العام 1986 لتكون نكبة حقيقية لسنّة لبنان والمنطقة، فالرجل كان داعية إصلاحٍ وتنوير واعتدال بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس بالمعنى المطروح اليوم، المليء بالخزعبلات الدعائية.

الاغتيال التالي كان اغتيال المفتي حسن خالد في 16 أيار 1989 نتيجة التصدّي للشأن الوطني بعد أن فرض النظام السوري من خلال ميليشياته حصاراً على القيادات السنية وألغى دورها، فتقدّم المفتي ليملأ الفراغ ويعزِّز المسار السني المتمسّك بالدولة رغم كل الانهيارات التي شهدتها بسبب الحرب.

وفي الترتيب الزمني اتهمت دمشق بقتل النائب ناظم القادري في 22 أيلول 1989. وفي 16 تموز 1989 فجّر المجرمون السيارة المفخّخة أمام دار الفتوى فقضى سيّدُها شهيداً. رفض المفتي أن يكون للسنّة ميليشيا في زمن الحرب، لأنّه كان مؤمناً أنّ قوّة السنة باعتدالهم وأنّ السلاح قاتل صاحبه في حروب الداخل وأنّ مآل اللبنانيين هو التفاهم والالتقاء، ومن هنا جاءت تلك الشراكة مع البطريرك الراحل نصرالله صفير ومع الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين الذي صاغ معه «الثوابت العشر» في وثيقة أكّدت أنّ «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه» وعكست وحدة المسلمين، فودّعت بكركي مفتي لبنان بقرع أجراسها حزناً وخرج لبنان في وداع رجلٍ كان يعلم أنّ طريقه التي اختارها مليئة بالألغام القاتلة.

لا يستذكر اللبنانيون اليوم حسن خالد لأنّه موجود على لائحة الشخصيات الجديرة بالاحترام والمحبة فقط، بل لأنّ كلّ الطروحات التي حملها والثوابت التي خطّها، لا تزال هي نفسها تشكّل خارطة طريق الإنقاذ والخروج من المآزق، فلبنان لم يتحرّر من الميليشيات بعد والاستعصاء على الدولة ما زال قائماً من فئة استقوت بسلاحها فاغتالت رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري ووسّعت الاغتيال بلائحة من القيادات.

وكما حمل المفتي الشيخ حسن خالد الأمانة في زمنه، يحمل المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان الأمانة بأحمالها الثقال، وهو الذي استطاع العبور بالدار إلى مرحلة استعادة الروح المؤسساتية من خلال سلسلة من الانتخابات في مؤسسات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وقد نجح في مسألتين هما عماد سياسة دار الفتوى:

ــ الأولى: توحيد الصف السنّي، فقد أعاد لدار الفتوى ميزانها الجامع واحتوى تحت سقفها كلّ الأطياف والتوجهات في أشدّ الأوقات الإقليمية والدولية حرجاً وثقلاً على لبنان والمنطقة العربية.

ــ الثانية: ترسيخه مبدأ الشراكة الإسلامية المسيحية ورفضه وتصدّيه لأيّ عامل من عوامل التفرقة الطائفية أو المذهبية أو المناطقية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: