المنطقة نحو ناتو إقليمي؟

IMG-20220908-WA0000

منذ فترة، أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن العمل على إنشاء نوع من "ناتو عربي" للدفاع عن مصالح دول المنطقة ضد التهديدات الاستراتيجية ومنها بالطليعة التهديد الإيراني، الذي تعاني منه الأردن بشكل كبير منذ الانقلاب الفاشل على العرش الملكي في شهر نيسان من العام 2021، وصولاً الى ما ذكره الملك في تصاريحه الأخيرة عن التهديد الحدودي لإيران عبر ميليشياتها.

هذا الطرح المتقدّم بدأ على ما يبدو يأخذ شكلاً أكثر واقعية وتنظيماً، خصوصاً في ضوء ما بدأت الصحف الأميركية تتناقله وتتكلم عنه من قرب انهيار الاتفاق النووي، وقد بدا مفوض العلاقات الخارجية الأوروبي جوزف بوريل الذي كان من أكثر المتفائلين بقرب التوقيع أكثر تشاؤماً في تصاريحه الأخيرة حول إمكانية عدم التوقيع ولا سيما في تصريح له للفايننشال تايمز.

لقد سبق لنا وفي أكثر من مقال أن أشرنا الى أن البديل الطبيعي للتوقيع على أي اتفاق نووي سيكون المواجهة العسكرية، لأن إيران وفي حال عدم التوقيع ستتشدد أكثر في مواقفها وستعمّق أكثر فأكثر علاقاتها بالصين وروسيا ما سينعكس تصاعداً للتوتر في المنطقة.

والواقع أن نسب التشاؤم من توقيع أي اتفاق باتت متقدّمة على ما عداها وقد أجمعت الصحف الأميركية: كالفورين بوليسي، وول ستريت جورنال والإندبندنت على قرب انهيار الاتفاق النووي مع إيران، التي يبدو أنها تحاول استنساخ وضع روسيا من العقوبات الدولية المفروضة عليها لإسقاطها عليها، بحيث ثمة حقيقة يبدو أن الإيرانيين توصلوا اليها ومفادها أنه على مثال روسيا يمكن لطهران أن تقاوم العقوبات الدولية المفروضة عليها الى الآن مع اتفاق أو من دونه تماماً كما قاوم ولا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العقوبات الغربية الهائلة على بلاده.

الاقتصاد الروسي ورغم كل العقوبات لا يزال يحقق مكاسب، والروبل لا يزال متقدّماً ومزدهراً، وهذا ما يشجع كل الدول الواقعة تحت العقوبات الغربية على تحدي تلك العقوبات والمضي في المواجهة كمثال كوريا الشمالية وفنزويلا وسواهما.من هنا كانت محاولات إيران الميدانية جريئة في التحرش بالبحرية الأميركية واختطاف مسيّرات الأسطول الأميركي الخامس، وقد تصاعدت وتيرة تصعيد إيران الميداني ليبلغ درجة متقدّمة من الشراسة والعنف.حتى الحوثيين في اليمن عادوا الى التصعيد في الحديدة وباشروا عمليات متفرعة ضد الحكومة الشرعية بما يؤشر الى انهيار طاولات الحوار والتلاقي الإقليمية كافة ولا سيما بين إيران ودول الخليج وعلى راسها المملكة العربية السعودية.

في مقال لقائد المارينز في الشرق الأوسط الجنرال سام موندي نُشر في الفورن بوليسي، اعتبر هذا الأخير أن إيران لا يمكنها تغيير سلوكها سواء وقّعت اتفاقاً نووياً أم لم توقّع،متسائلاً عن موقف دول المنطقة والخليج بخاصة تجاه التهديد الإيراني المباشر، لاسيما وأن "درس أوكرانيا" لا يزال ماثلاً لجهة الخطأ الذي ارتكبه الغرب بعدم تسليح أوكرانيا بما يلزم لردع روسيا عن أي اعتداء لو فكرت يوماً. الجنرال موندي يستشهد بالمثال الأوكراني لمنع تكرار نفس الخطأ في المنطقة، فواشنطن تعلّمت الدرس وها هي تسلّح تايوان في وجه الصين لردع أي اعتداء صيني عليها، متسائلاً عن سبب غياب قوة عسكرية إقليمية موحدة حتى الساعة، حيث أن كل دولة تواجه بمفردها التهديد الإيراني.

الإندبندنت وفوكس بزنس نيوز من جهتهما اعتبرتا أنه، في حال توقيع إيران على الاتفاق النووي فإن منطقة الشرق الأوسط برمّتها ستدفع الثمن لأن طهران، وبمجرد التوقيع، ستستحصل على موارد تكفيها لحمل وكلائها الإقليميين على التصعيد في كل دول المنطقة كما في لبنان وغزة وسوريا واليمن، إذ من الساعة الأولى على توقيع الاتفاق ستفرج واشنطن عن 7 مليارات دولار لإيران، وكذلك ستحصل على مبلغ 274 مليار دولار بين تاريخ توقيع الاتفاق وحتى العام 2030، منها 141 مليار ستستحصل إيران عليها من السنة الأولى للتوقيع، كما أن صادرات إيران النفطية وحدها تمثل 121 مليار دولار في السنة متى أُطلق العنان لصادراتها.

من هنا المطروح حالياً في المنطقة تشكيل قوة تدخّل مشترك سريع لمواجهة أي تهديد إيراني على نسق الناتو الذي، وعلى اثر حرب أوكرانيا رفع عديد قوات تدخّله السريع الى 300 ألف جندي دائم الجهوزية، والمطلوب في المنطقة تشكيلة مماثلة منظمة وبقيادة موحدة، علماً أن ثمة قيادة عمليات مشتركة حالياً في الخليج تضم قيادات من أهم الدول العربية ومعهم إسرائيل التي ضمتها واشنطن منذ مدة الى هذه الهيكلية، وبالتالي فالناتو العربي- الإقليمي يضمن التنسيق بين الجيوش في ظل قيادة موحدة اذا ما حصلت أي حرب مع إيران فيصبح بالإمكان توحيد الجهد العسكري والميداني.تتوجه أنظار القادة العسكريين الأميركيين الى قوات ردع الجزيرة التي تألفت منذ 38 سنة للدفاع المشترك عن أمن دول الخليج ومصالحها ولم تتحرك الا مرتين منذ تأسيسها : مرة عام 2003 للدفاع عن الكويت ضد هجمات عراقية محتملة، والمرة الثانية في العام 2011 للدفاع عن البحرين إثر اندلاع انتفاضة شيعية إيرانية هددت أمن المملكة ونظامها.الخبراء العسكريون الأميركيون، ومنهم الجنرال موندي، يعتبرون قوات درع الجزيرة نواة صلبة ومهمة في تأسيس قوة إقليمية عربية للتدخل السريع.إسرائيل من جهتها سبق لها إن أعلنت تصدي دفاعات جوية مشتركة لصواريخ إيرانية مع دول عربية أخرى، ما يعزز فرضية تعاون عربي- إسرائيلي عسكري وميداني في القوة الإقليمية للتدخل السريع لاسيما وأن "اتفاقيات أبراهام" سهّلت بشكل كبير هذا النوع من التعاون في ظل وحدة الهدف ووحدة العدو للجميع، فضلاً عن فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي بحيث باتت الظروف أفضل لنشوء هذا التحالف الإقليمي.

دعاة هذا الطرح ولا سيما الأميركيين والإسرائيليين يشددون على أنه، حتى ميثاق الأمم المتحدة يجيز تحالف الدول مع بعضها لمواجهة أخطار تهدد الأمن والسلم الدوليين، كما أن ميثاق جامعة الدول العربية في البند التاسع يشجع على التحالفات العسكرية بين الدول العربية وتشكيل قيادة أركان عربية مشتركة.

في كواليس المنطقة، مشاورات واجتماعات ونقاشات متتالية لرسم خطة مواجهة إيران، سواء تم التوقيع على اتفاق نووي أم لم يتم، فالخطر الإيراني بات داهماً المنطقة بدولها وشعوبها وهذا أمر واضح لا دعاية ولا تضخيم ولا مغالاة فيه، لا سيما وأن محاور الصراع الدولي على غليانها واشتعالها ترسم معالم نظام عالمي جديد تكون فيه اللعبة لمن يستطيع أن يضمن على الأرض مكاسب تجعله لاعباً فاعلاً ومقرراً.

ناتو إقليمي أو عربي من بين أبرز سمات المرحلة المقبلة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: