كل شيء في لبنان مباح ومعذور ولديه كل الحق في الاطر السياسية، انها الوراثة السياسية في لبنان التي باتت ركناً اساسياً محقاً للجميع، وآخر مستجداتها وصول رئيس “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط بعد ايام قليلة، الى رئاسة الحزب “التقدمي الاشتراكي” من دون اي تعب، خلال المؤتمرالانتخابي العام للحزب في 25 حزيران الجاري.
التأويلات بدأت بالتأكيد، وتحديداً منذ إستقالة جنبلاط الاب من رئاسة الحزب في توقيت حساس ودقيق للغاية، فتلقى نصائح بالجملة للتراجع عن خطوته هذه، في حين رأى البعض انّ الهدف توريث نجله تيمور على غرار كل سياسييّ لبنان، وهذا يعني انّ إستكمال دور الوالد سيكون متواصلاً، وبأنامله وأفكاره والنهج عينه، وسط ” نفضة ” حزبية شبابية، يحتاجها الحزب “الاشتراكي” كما معظم الاحزاب اللبنانية.
وهذا ما أعلنه النائب تيمور، اي خطوات لتحديث العمل السياسي، وفتح المجالات امام الشباب، كما ألمح اليه والده مراراً، اي إدخال دم جديد على الحزب، يطلقه نحو رؤية شاملة، مشدّداً على ضرورة أن يأتي تيمور بجيل جديد.
لكن من الصعب جداً وفي ظل هذه الظروف الخطرة التي يمّر بها لبنان، ان يستطيع احد حمل “بطيختين” في يد واحدة ، اي “اللقاء الديموقراطي” والحزب “الاشتراكي”، خصوصاً اذا لم يكن متمرّساً في السياسة اللبنانية والمحيطة بها، لكن وبعد تقديم تيمور اوراق ترشيحه، بات المشهد الحزبي مكتملاً، من خلال الوراثة السياسية البعيدة عن التعب والكفاح والنضال، اذ سيصل بهدوء وبالتزكية من دون اي منافس.
هذا المشهد إعتدنا عليه في لبنان، حيث تنتقل الزعامة والنيابة واحياناً الوزارة من الجد الى الابن ثم الحفيد والصهر والى ما هنالك من اقارب…، لكن البارز هو التقليد الذي يشهده لبنان كل اربع سنوات، مع دخول عدد كبير من المرشحين الى المجلس النيابي عبر وراثة آبائهم، عبر صناديق الاقتراع، التي تولي الطاعة دائماً، فتنقل الزعامة الى العائلة السياسية التقليدية والاقطاعية، اذ يعمل سياسيو لبنان على تحضير ابنائهم منذ اليوم الاول لدخولهم المعترك، لانّ الزعامة يجب ان تبقى في مكانها، ولا يمكن ان تحال الى خارج العائلة، على الرغم من وجود مسوؤلين بارزين في معظم الاحزاب، لكن الحظ لن يحالفهم بالتأكيد، ولا حتى لديهم الجرأة على الترشح، وفي حال أقدموا على هذه الخطوة، فيكون الطلب من رئيس الحزب، بهدف وضع سيناريو مسرحي تحت إسم “العملية الديموقراطية”، فيما اركان كل حزب يبقون في مقاعدهم غير مؤهلين للوصول الى الرئاسة، والامثلة كثيرة اذ ممنوع على احد ان يتولى القيادة سوى وريث العائلة.
موضوع التوريت في لبنان، بات يشكّل منذ عقود ركناً أساسياً من النظام السياسي، ما جعل لبنان نموذجاَ يقتضى به في انتقال الزعامة في بعض الاحيان الى الاقارب والاصدقاء، كما حصل خلال تشكيل أخر حكومة، وكأن لا احد يستطيع الوصول الى مناصب مهمة غير افراد تلك العائلات، التي حكمت لبنان مطوّلاً تحت عناوين النضال المستمر والكفاح من اجل الوطن، فيما الحقائق تؤكد عبر الازمان، ان هؤلاء يصلون دائماً على شهادات ونضالات وتعب المحازبين ابناء العائلات الفقيرة.
