بايدن: من أقصى الديمقراطية إلى أقصى الترامبية

thumbs_b_c_7a7fe7556c6140282b0a07072b38459d (1)

من بين أبرز تداعيات القمة التاريخية في جدّة أخيراً التغيّرات التي طالت نهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الديمقراطية،حيث يبدو أن ثمة " تكويعة " أين منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الجمهوري.فمن أقصى التنكّر للقيادة السعودية، وبخاصة ولي عهدها محمد بن سلمان الى أقصى اعتراف به قائداً لبلاده وللمنطقة الخليجية والعربية.ومن أقصى معاداة المملكة والتوعّد بجعلها منبوذة، الى أقصى الإحتضان لها مجدداً والإلتزام بالدفاع عنها وحمايتها من التهديدات التي تواجهها وإعادة فتح ملفات التسلّح لها.ومن أقصى المراهنة على إيران الى أقصى المراهنة على الخليج والعرب، أي الحلفاء التقليديين، وأكثر من ذلك رفع مستوى التعاون من تحالف الى شراكة استراتيجية.جاء الرئيس بايدن الى قمة جدّة رئيساً ديمقراطياً نسخة طبق الأصل عن باراك أوباما، واعداً بتنفيذ ما يقول في ملف حقوق الإنسان ومقتل الصحافي جمال خاشقجي واتهام ولي العهد محمد بن سلمان بالضلوع فيه، ليخرج منها رئيساً أشبه ما يكون بدونالد ترامب ثانٍ.

من يراجع بيان القمة الختامي يتوقف عند عبارات وجمل لم يكن يتوقعها الرأي العام الأميركي بالتأكيد من الرئيس جو بايدن:

1- في تأكيد الرئيس بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية الممتدة لعقود في الشرق الأوسط، رب سائل أين كان بايدن من هذه الأولوية في حملته الإنتخابية التي ركّزت على الإنسحاب من المنطقة؟

2- في الإشارة الى التزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركاء الولايات المتحدة والدفاع عن أراضيهم، ثمة مَن يسأل: أين كانت إدارة جو بايدن من ذلك يوم انسحابها الكارثي من أفغانستان والذي جعل حلفاء الولايات المتحدة يشككون في قدرة واشنطن على حمايتهم؟

3- في الإشارة الى إدراك الولايات المتحدة للدور المركزي للمنطقة في ربط المحيطيَن الهندي والهادئ بأوروبا وأفريقيا والأميركيتين تعبيرعن استفاقة إدارة الرئيس بايدن على الأهمية الجيو سياسية للمنطقة وهو الذي كان يعد في حملته الانتخابية وبعد تسلمه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بالتخلي عنها وتوجيه اهتمامه الى شرقي آسيا.

4- في التأكيد على أهمية تحقيق أمن الطاقة واستقرار أسواقها، مع العمل على تعزيز الإستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الإنبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الإلتزامات الوطنية، وتنويه القادة بجهود (أوبك +) الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين ويدعم النمو الاقتصادي، وبقرار (أوبك +) زيادة الإنتاج لشهري تموز و آب (يوليو وأغسطس) والإشادة بالدور القيادي للمملكة العربية السعودية في تحقيق التوافق بين أعضاء (أوبك +)، ما يعني تخلّي الرئيس بايدن عن أي ضغط على المملكة العربية السعودية لزيادة الإنتاج، وقد ادأفهم ولي العهد ضيفه الأميركي أن الرياض، ولو كانت تريد أي زيادة في الإنتاج، الا أنها لا تستطيع ذلك تقنياً، لانها بلغت السقف الأقصى من الإنتاج بموجب اتفاقات أوبيك بلاس.كما يُلاحظ أن هذا البند أبدى الدعم لأوبيك بلاس التي من ضمنها روسيا من دون أي تحفظ أو اعتراض أميركي.

5- تجديد الدعوة الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، فهذه الفقرة تحديداً إن دلّت على شيء فعلى أمر من إثنين:إما إقرار واشنطن بعدم جدوى استمرار التفاوض مع إيران حول ملفها النووي، وبالتالي العودة الى برنامج التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واتفاقيات منع انتشار السلاح النووي، والتلويح بالفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة والعودة الى السناب باك (نظام عقوبات يتيح إعادة فرض كل العقوبات الأممية على إيران في حال عدم التزامها التفتيش وقواعده)، وإما توجيه رسالة مبطّنة لإيران مفادها أن واشنطن مستعدة للتخلي عن مفاوضاتها معها إن لم تسهل شروط العودة الى طاولة التفاوض.

6- في التزام واشنطن مع القادة العرب والخليجيين، إدانتها القوية للهجمات الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية ومنشآت الطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وضد السفن التجارية المبحِرة في ممرات التجارة الدولية الحيوية في مضيق هرمز وباب المندب، والتشديد على ضرورة الإلتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها قرار مجلس الأمن 2624 وفيه فقرة أقل ما يُستشف منها أنها تلزم واشنطن بأمن منطقة الدول الشريكة لها والممرات والمضيق.

7- فيما يخص الحرب في أوكرانيا، لوحظ في نص البيان الختامي عدم اصطفاف الخليج والعرب الى جانب الولايات المتحدة ودول الناتو وأوروبا كما كان يريد الرئيس الأميركي بايدن، من بين أحد أهداف زيارته، إذ جاء النص عاماً شاملاً مبدئياً فتكلم عن تجديد القادة التأكيد على ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، بما فيها ميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامة أراضيها، والالتزام بعدم استخدام القوة أو التهديد بها، وحثّ قادة المجتمع الدولي وجميع الدول على مضاعفة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي، وإنهاء المعاناة الإنسانية، ودعم اللآجئين والنازحين والمتضررين من الحرب، وتسهيل تصدير الحبوب والمواد الغذائية، ودعم الأمن الغذائي للدول المتضررة، وقد أفهم الخليجيون والعرب الحاضرون الرئيس بايدن عدم استعدادهم لمعاداة الروس ومخاصمتهم انطلاقاً من التوازن الإقليمي في علاقات التعاون مع القوى الكبرى كافة ومنها الصين.

فقرات من البيان اختصرت عودة واشنطن الى المنطقة والتزامها بأمنها وسلامتها، وبحمايتها في وجه أي اعتداء إيراني، وفي نفس الوقت فتحت الباب أمام التفاوض والديبلوماسية مع طهران.من هنا لا بد للرئيس جو بايدن وإدارته، لدى عودتهم الى واشنطن وإن شعروا في جردة مواقفهم واجتماعاتهم من حيث يدرون أو لا يدرون، أنهم باتوا في مكان ما صوت صدى إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه المنطقة والعرب والخليج، فإذا بالرئيس بايدن ينفذ عملياً سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب ويبدأ من حيث انتهى عهده السابق.

لكن ومع كل هذا، نعود ونؤكد أن العبرة تبقى في التنفيذ والإلتزام الحقيقي بما أُعلن.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: