كتب نقولا ناصيف اليوم الجمعة في "أساس ميديا":
أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان مُجرَّباً قبلُ بمقدار ما أتاح تخفيف وطأة التهديد بالحلول العسكريّة. في الاجتماع الأخير للّجنة في 3 كانون الأوّل انضمّ كرم إلى صفوفها. ويُعوَّل على الاجتماع المقبل ظهور أوّل ملامح أرضيّة تسوية سياسيّة تستند إلى تفاوض مباشر معترف به وجهاً لوجه، وإن في حضور أفرقاء ثالثين.
ما يقتضي أن يحمله المفاوض اللبنانيّ السفير السابق سيمون كرم إلى الاجتماع المقبل للجنة “الميكانيزم” في 19 كانون الأوّل، في حسبان رئيس البرلمان نبيه برّي، أولويّة قصوى هي “وقف النار وتثبيته حتّى نتمكّن من الاستمرار في التفاوض”.
يقول رئيس المجلس: “نحن نعرف ماذا نريد؟ أوّل ما ينبغي حصوله وقف النار وإظهار إسرائيل استعداداً للانسحاب من موقع واحد على الأقلّ من المناطق التي تحتلّها. ليس ذلك فحسب ما نرغب في الوصول إليه، بل سيتعذّر علينا من دونه القبول بالمضيّ في الاجتماعات. إمّا تفاوض أو لا تفاوض. في المفاوضات ليست هناك نيّات حسنة، وإنّما إجراءات ملموسة ضروريّة. نفّذ لبنان ما عليه في اتّفاق وقف النار، والجيش انتشر ويقوم بواجبه كاملاً ونظّف كلّ جنوب نهر الليطاني. في المقابل إسرائيل لم تلتزم ما يترتّب عليها في الاتّفاق، بل تستمرّ في الاعتداءات اليوميّة على الجنوب بلا توقّف”.
يضيف: “نحن لا نراهن على الآلة العسكريّة الإسرائيليّة لأنّ أحداً لا يمون عليها، بل نتتبّع المواقف السياسيّة وآخرها كلام الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لإسرائيل باعتماد الحلول الدبلوماسيّة. لنرَ إلى أين ستفضي هذه الضغوط”.
سئل هل يعتقد أنّ إسرائيل جاهزة لإعطاء شيء ما، أجاب: “هذا ما نركّز عليه”.
إسرائيل غير مستعجلة على السلام والتطبيع مع لبنان في وقت قريب ولا يدخل في أولويّاتها بمقدار ما يعنيها أمن شمالها نظيفاً تماماً من “الحزب”.
للعودة إلى اتّفاق الهدنة
هل يوافق رئيس المجلس على إحياء اتّفاق الهدنة؟ يقول: “أنا حاضر للعودة إليه فوراً. أنا ووليد جنبلاط وكثيرون سوانا مع العودة إليه. لنعد إلى اتّفاق الهدنة على الأقلّ”.
فكرة إعادة الروح إلى اتّفاق الهدنة أحد أبرز الحلول المتداوَلة في مهمّة لجنة “الميكانيزم” الموسّعة في المرحلة المقبلة ما إن تمّ تطعيمها بمدنيّ سياسيّ غير تقنيّ لأنّ الاتّفاق أتاح ضمان استقرار الحدود اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة قرابة عقدين من الزمن إلى أن وقعت حرب الأيّام الستّة عام 1967، الذي تلاها بعد سنتين اتّفاق القاهرة العام 1969.
مذّاك اعتبرته إسرائيل مجمّداً وأقرب ما يكون إلى كونه ملغى، فيما ظلّ لبنان يعدّه قائماً. مع أنّه لا يزال الإطار المرجعيّ النظريّ لمعظم قرارات مجلس الأمن المتّصلة بالنزاعات اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة، بيد أنّ هذه فرضت حقائق ووقائع مختلفة على مرّ العقود الأخيرة أضاعت اتّفاق الهدنة.
على نحو ما علّقت إسرائيل اتّفاق الهدنة، فعلت مع القرار 1701 بامتناعها عن تنفيذه وتنفيذ اتّفاق وقف النار المكمّل له. يتطابق اتفاقَ الهدنة ووقف النار في ما يرميان إليه وفي الشروط التي يضعانها لفرض الاستقرار على جانبَيْ الحدود.
في البنود الثلاثة الأُوائل في اتّفاق الهدنة:
– إنهاء الأعمال العدائيّة.
– تكريس خطّ الهدنة ومنع كلا طرفَيْ الحدود من تجاوز خطّ الهدنة بأيّ عمل عسكريّ أو مدنيّ ذي طابع عدائيّ.
– إنشاء لجنة مشتركة تتولّى تثبيت الخطّ والحؤول دون أيّ لغط في تفسيره.
– عدم وجود قوّات مسلّحة للطرفَيْن من ضمن مسافة محدّدة من خطّ الهدنة.
– حظر إقامة تحصينات ونقاط جديدة وتحريك للقوّات داخل المناطق المحاذية دونما إشعار لجنة الهدنة المشتركة.
“الميكانيزم” ورثت لجنة الهدنة
لجنة الهدنة هذه التي عمّرت طويلاً ولا تزال بين لبنان وإسرائيل والأمم المتّحدة، ورثت دورها لجنة “الميكانيزم” بضمّ عضوَيْن اثنين إليها بصفة ضامنَيْن هما الأميركيّون والفرنسيّون.
ممّا يجري تداوله إحياءُ اتّفاق الهدنة الموقّع في 23 آذار 1949 بعد تعديله مع الأخذ بمعطيات جديدة فرضتها وقائع متوالية، بعضها أضحى صريحاً في القرار 1701، وبعضها الآخر مدار نزاع ناجم عن رفض لبنان الإقرار بالخطّ الأزرق المرسوم عام 2000 خطَّ الحدود الدوليّة المكرّسة قبل أكثر من قرن من الزمن، عام 1923، إضافة إلى مطالبة لبنان بتثبيت حدوده البرّيّة.
ما لم يحدّده اتّفاق الهدنة في المناطق المحاذية لجانبَيْ الحدود لحظر وجود قّوات مسلّحة (لبنانيّة وإسرائيليّة) وأعمال عدائيّة، عمد القرار 1701 إلى تحديده وتوسيعه كي يجعل جنوب نهر الليطاني خالياً من أيّ وجود مسلّح غير شرعيّ ما خلا الجيش اللبناني. ذلك الفارق لا يعدو كونه نظريّاً على غرار ذاك المنصوص عليه في اتّفاق الهدنة.
بيد أنّ المشكلة باتت تكمن، وإن في ظلّ محاولة إحياء اتّفاق الهدنة ببنوده المرشّحة للتعديل، في شروط إسرائيليّة تتجاوز ذاك الاتّفاق وأدارت الظهر للقرار 1701 في آن. ليست في وقف للنار بين لبنان وإسرائيل كما في عام 1949، ولا في وقف للنار بين إسرائيل و”الحزب” كما في عام 2006، ولا حتّى في ما نصّ عليه القرار 1701 واتّفاق وقف النار الملازم له عام 2024، بل في ذهاب الدولة العبريّة إلى أبعد من ذلك بكثير على نحو يجعلها تربط وقف النار، وليس الانسحاب من المناطق المحتلّة في الجنوب، بروزنامة تجريد “الحزب” من سلاحه في جنوب نهر الليطاني كما في شماله. بذلك لا تذهب إلى التفاوض مع لبنان إلّا للوصول إلى هذا الهدف تحت وطأة الضغوط العسكريّة.