كتبت نزرما ابو زيد في "نداء الوطن"
رغم التحركات الاعتراضية في الشارع، يبقى السؤال معلّقًا منذ لحظة طلب حكومة نواف سلام، من الجيش اللبناني إعداد خطّة مشروطة بجدول زمني لتسليم السلاح: هل رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤيّد لهذا القرار أم معارض له؟ والسؤال يزداد إلحاحًا، بعد البيان الذي عممّته "حركة أمل" على مناصريها، والذي طلبت فيه من الحركيين عدم المشاركة في أيّ مسيرات، سواء بالسيارات أو الدراجات النارية، وتحت أيّ شكل أو عنوان، ملوّحة بتحميل المشاركين المسؤولية، ومشدّدة على ضرورة الحذر من المنشورات التحريضية التي قد تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
مضمون البيان عالي النبرة، والذي حمل طابعًا "دولتيًا" واضحًا، ذكّر بلهجة بيان "الضرب بيد من حديد على أيدي المشاغبين" عقب أحداث طريق المطار في شباط الماضي، وإن بدا هذه المرّة أكثر "تلطّفًا". اللافت أنّ البيان صدر بعد ساعات فقط من انسحاب وزراء "أمل" من جلسة مجلس الوزراء، في خطوة فُسّرت تضامنًا مع "حزب الله" في رفضه المطلق لمسألة تسليم السلاح. فهل نحن أمام ازدواجية مقصودة في الخطاب والسلوك؟
من يمعن النظر في البيان، وما كُتب بين سطوره، كما في خطوة انسحاب وزراء "أمل"، يجد احترافاً في إدارة التوازن على حافة التناقض، على الطريقة "البريّة" المعهودة. يكسر ويجبر. يتقاطع مع "حزب الله"، ويتماهى مع الدولة. يخرج من باب الحكومة معترضًا، ويعود من نافذة السراي شريكًا في التهدئة.
لكن ما دلالة هذه الازدواجية السياسية المحسوبة في هذا التوقيت الدقيق؟ وهل تعكس نزوعًا لدى برّي إلى فكّ الارتباط تدريجيًا مع معادلة "تلازم المسار والمصير"، اتقاءً لأعباء الشراكة الكاملة؟ أم أنّها تعكس ببساطة تباينًا في منسوب القلق بينه وبين "حزب الله" حيال تطوّرات المرحلة الراهنة؟
دوائر عين التينة، تتحدّث عن تموضع لبري في موقع وسطي بين الحكومة و"حزب الله"، في محاولة واعية لمحاكاة هواجس الطرفين. فهو، كما تصفه هذه الدوائر، حاضر في "المعادلة الدولتية" من موقع الشريك لا المعارض، وحريص في الوقت ذاته على تفعيل دور المؤسسة العسكرية بشكل كامل في هذه المرحلة الحسّاسة، وعلى الاحتفاظ بمسافة محسوبة، تمنحه هامش الوساطة الإيجابية.
في هذا السياق، تصف الدوائر الأجواء بالمشحونة والدقيقة، وتقول إنّ الرئيس برّي يتحرّك حاليًا على مسارين متوازيين: مسار التنسيق مع المؤسسة العسكرية، ومسار التفاوض مع "حزب الله"، فيما يشغل باله هاجس ضبط الشارع منعًا لانزلاقه نحو الفوضى والوصول إلى نقطة اللاعودة.
وبينما تصفّر هذه الدوائر احتمالات زعزعة الحكومة، فإنّها لا تخفي قلقها من احتمال انفلات الشارع، وتشدّد على أنّ "عين التينة" تبذل جهدًا استباقيًا لضبط الإيقاع، لأنّ الفلتان وفق توصيفها، يعني الدخول في مرحلة اللاعودة.
هذا، وتتحدّث دوائر "عين التينة" عن انفتاح على تفعيل دور المؤسسة العسكرية بشكل كامل، وتقول إنّ الرئيس برّي يُبدي استعدادًا واضحًا لترك الجيش يتحمّل مسؤولياته الأمنية كاملة، لكن ذلك، يستوجب تنسيقاً موازياً مع "حزب الله"، وهو ما يجري العمل عليه حاليًا بصمت، وعلى أكثر من مستوى.
تعتبر دوائر "عين التينة" أنّه في ملفّ شائك وحسّاس كملف حصر السلاح، يلبس بري عباءة الدولة متماهيًا مع منطق المؤسسات، ويتقن جيدًا فن الإمساك بالعصا من وسطها: لا يكسر مع الدولة، ولا ينكسر مع "الحزب". يدير التوازن بدقّة، ويحرص على ألًا تتحوّل الحالة الشيعية إلى قوة نافرة خارج الاصطفاف الوطني العام، فيما يُشبه التمرين على حافة الهاوية.