كتب ألان سركيس في صحيفة "نداء الوطن":
لا يزال صدى أحداث السويداء يتردّد على الرغم من وقف إطلاق النار. وإذا كان هذا الملفّ يخصّ الداخل السوريّ، إلّا أنه أحدث استنفارًا كبيرًا طال دروز سوريا وإسرائيل والأردن ولبنان وكاد يحدث فتنة لا تحمد عقباها.
كان الدروز أمراء جبل لبنان، وبعد ولادة دولة لبنان الكبير، تراجع دورهم ودخل الحضور السنّي بقوّة على الخطّ، فيما الشيعة كانوا شبه غائبين قبل الحرب، واستطاع الدروز بفضل دورهم التاريخي الحفاظ على وجودهم داخل الحكم اللبناني.
نسج الدروز، خصوصًا آل جنبلاط، علاقة وطيدة مع السنّة، ويتذكّر الجميع كيف كان الرئيس المؤسّس للحزب "التقدّمي الاشتراكي" كمال جنبلاط يستخدم الفلسطينيين الذين شكّلوا عصب السنّة في محاولة لقلب المعادلة الداخلية، وكيف سار مع العصب السنّي عام 1958 من خلال استقباله الرئيس المصري جمال عبد الناصر في دمشق وتابعها بالثورة على الرئيس كميل شمعون.
صاغ الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بعد "اتفاق الطائف" حلفًا مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعد اغتياله في 14 شباط 2005، أكمل المسيرة مع الرئيس سعد الحريري، وبقي قريبًا من السنّة. وعندما اندلعت الثورة السورية ناصر الأغلبية السنية وقام بزيارة الرئيس أحمد الشرع فور سقوط نظام الأسد.
عصفت رياح الفتنة الدرزية - السنية في الساعات الماضية نتيجة أحداث السويداء، ولا يمكن إنكار حجم الاحتقان الذي وصلت إليه النفوس الدرزية في لبنان. وبين محاولة بعض الشبان الدروز قطع طريق ضهر البيدر، والتظاهرات التي جابت شوارع طرابلس داعمةً للشرع ومندّدةً بالقصف الإسرائيلي، كانت الفتنة على قاب قوسين من الاشتعال.
جرت محاولات احتوائها على المستويين السياسي والأمني، فمناطق التماس الدرزية - السنية كثيرة، بدءًا بصيدا والشوف وعاليه وصولًا إلى بيروت، وفي حاصبيا وراشيا. أما القنبلة الموقوتة التي كانت بالتأكيد ستفجّر الوضع، فهي وجود أكثر من 200 ألف نازح سوري من الأغلبية السنية يتوزّعون في المناطق ذات الأغلبية الدرزية.
بدأ وأد بوادر الفتنة من خلال اتصالات قادها جنبلاط على الأرض، وكانت الأوامر حاسمة لكوادر الحزب "التقدمي الاشتراكي" بمنع التعرّض للسوريين وعدم القيام بأعمال احتجاجية على الأرض من شأنها رفع منسوب التوتّر والاحتكاكات. وقاد جنبلاط اتّصالات سياسية داخلية ومع مراجع درزية في السويداء إضافةً إلى اتصالات عربية، وكان يعمل كإطفائي ويدعو إلى وقف الصدام وإجراء حوار سوري داخلي.
وبعد ارتفاع منسوب الشحن الطائفي، ودخول مشايخ من الطرفين على خطّ الأزمة، وسط عتب درزي على القيادات السنية اللبنانية من عدم استنكار أحداث السويداء، وبعد بلوغ الاحتقان الذروة، أطلّ رئيس الحكومة نواف سلام، داعيًا اللبنانيين إلى تفادي الفتنة وتقديم المصلحة الوطنية على أيّ اعتبارات أخرى، في ظلّ ما شهدته بعض المناطق من توترات ذات طابع مذهبيّ. وشدّد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وتفادي أيّ انزلاق نحو الفوضى أو ما من شأنه تعريض السلم الأهلي للخطر.
وكانت رئاسة الجمهورية منذ يوم الإثنين تجري الاتصالات اللازمة مع القيادات الدرزية في لبنان، وتطّلع على حقيقة الوضع، وكانت تلك القيادات تتابع الأوضاع في سوريا، خصوصًا بعد احتدام المعارك.
ساهمت الاتصالات السياسيّة في لجم أي توتّر في الشارع، وترافقت مع انتشار أمني كبير في مناطق الجبل وعلى الخطّ الساحلي، وكانت المخاوف من تطوّر الأوضاع ولجوء بعض الشبان الغاضبين إلى قطع الأوتوستراد الساحلي ما قد يخلق صدامات، وارتفع منسوب الخوف من حصول إشكالات بين الدروز والنازحين، وما قد يرافق ذلك من استنفار في طرابلس وعكّار تضامنًا مع السوريين.
"الدرزي لا ينام على ضيم"، قد تلخّص هذه العبارة طريقة تفكير وعمل الدروز، وأكبر دليل على الاستنفار الدرزي الذي حصل، هو كلام رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب الذي كان رأس حربة "الممانعة"، حيث أيّد الضربات الإسرائيلية على دمشق ومحيطها، ووصل به الأمر إلى الإشادة بحذاء نتنياهو.
لا يمكن إنكار فرحة الدروز بالتدخّل الإسرائيلي العسكري الذي حصل بعد ظهر أمس الأوّل وضرب دمشق. في المقابل، تنقسم المرجعيات الدرزية في لبنان وسوريا، ففي وقت تتطابق نظرة مشيخة العقل في لبنان مع جنبلاط والشيخ يوسف الجربوع في السويداء الذين يؤيدون الحوار مع النظام السوري ويدعون إلى إبرام تسوية، يواصل الشيخ حكمت الهجري مواقفه التصعيدية ضدّ النظام، ويعبّر عن رأي الأغلبية الساحقة من الدروز التي ذهلت بهول المجازر التي ارتُكبت في السويداء وذهب ضحيتها عدد لا يُستهان به من الأبرياء.
عندما كانت تُطرح المثالثة في لبنان، كانت القسمة تتمّ بين الشيعة والمسيحيين والسنّة، ويدخل الدروز ضمن الحصّة السنيّة، لكن أحداث السويداء فتحت جرحًا سنيًا - درزيًا من الصعب أن يلتئم في الوقت القريب، وستؤدّي أحداث السويداء إلى طرح المسألة السوريّة على بساط البحث، خصوصًا مع ازدياد الكلام على تعميق العلاقة بين الدروز وإسرائيل وتعميق الهوّة بين الدروز والأغلبية السنية.
انطلاقًا من هذه التطوّرات يبقى السؤال الأهمّ، كيف ستتعامل القيادات السنية والدرزية اللبنانية مع الواقع الجديد، أو سيتمّ عزل الساحة اللبنانية عن تداعيات أحداث سوريا والسويداء وكل ما يرافقها من تدخّل إقليمي كبير يزيدها تعقيدًا؟