بين باريس وأبو ظبي شراكة استراتيجية ووحدة رؤى

6e54772d-948a-4f98-b53c-fac6296142eb

ثمة إجماع لدى المراقبين والمحللين والمتابعين على الصفة الإستثنائية للزيارة التي قام بها رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الى جمهورية فرنسا، مع أن العلاقات الفرنسية - الإماراتية لطالما امتازت بقوة الصداقة والحفاوة والتعاون والتفاعل الكامل بين البلدين، والتنسيق بينهما في الملفات الإقليمية والدولية، إلا أن هذه الزيارة الأخيرة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد إرتدت طابعاً مميزاً لأكثر من سبب واعتبار، ليس أقله الظروف الإقليمية والدولية المتوترة، والتي تفرض على الحكام المزيد من التنسيق والتعاون والتشارك لتوحيد الطاقات والإمكانات وتطويرها.

تناولت الزيارة العلاقات الإستراتيجية القوية بين الإمارات وفرنسا، وقد وأثنى الرئيسان الإماراتي والفرنسي على عمق الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين، و "الصداقة المتينة والثقة المتبادلة بينهما"، مؤكدين الإلتزام المشترك في توسيع آفاق التعاون الثنائي في جميع المجالات والعمل معاً في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.وفي البيان المشترك الفرنسي – الإماراتي، كان لافتاً تعبير الرئيسين عن قلقهما العميق بشأن الحرب في أوكرانيا وتأثيرها المروّع على المدنيين وتداعياتها على الوضع الإنساني وآثارها على أسواق السلع العالمية.

كما وشدّدا على الضرورة الملحّة لتكثيف الجهود الدبلوماسية للتوصّل إلى حل للأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي أشاد فيه بن زايد بجهود نظيره الفرنسي ماكرون في هذا الملف.ومن الطبيعي أن تتناول مباحثات الرئيسين ملف الطاقة، حيث أكدا على الشراكة الاستراتيجية الشاملة في مجال الطاقة بين دولة الإمارات وفرنسا، والتي تمثّل خطوة مهمة في سبيل تعزيز أمن الطاقة العالمي.

والجدير ذكره أن اتفاقية أُبرمت بين شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" وشركة "توتال الفرنسية للطاقة" لتوفير الوقود بهدف زيادة أمن إمدادات الوقود الى فرنسا.كما كان التركيز بين الجانبين على ضمان الأمن الغذائي وعمل الإمارات مع فرنسا لإيجاد السبل الآلية لتخفيف الضغوط المتواصلة على منظومة الإمدادات العالمية.في الاقتصاد، تُعتبر الإمارات الشريك الاستراتيجي الأول لفرنسا في الشرق الأوسط، ومن بين أكبر دول المنطقة استثماراً فيها حيث تعمل أكثر من 600 شركة فرنسية في الإمارات، وقد زادت المشاريع الاستثمارية الفرنسية في المجالات كافة، وبخاصة في المجالات الرقمية والتكنولوجية والمالية والصناعات الغذائية والسياحة والنقل.

وتكشف الأرقام حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين بما نسبته 93 في المئة خلال العقد الماضي أي بارتفاعه من 14 مليار درهم عام 2010 ليصل الى 27 مليار درهم في نهاية العام 2019 بإجمالي نحو 250 مليار درهم في السنوات العشر الماضية.وبلغ إجمالي الاستثمارات الفرنسية في الإمارات نحو 17 مليار درهم، في حين تبلغ العلامات الفرنسية المسجلة في دولة الإمارات نحو 17 ألف علامة، بينما يبلغ عدد الوكالات التجارية المسجلة في الإمارات نحو 273 وكالة تغطي الأنشطة المالية والتأمين والصناعات التحويلية وأنشطة العقار والمعلومات وغيرها.

في قطاع النقل الجوي، إتفقت الدولتان على زيادة عدد الرحلات بينهما الى نحو 20 رحلة أسبوعية لخدمات الركاب، ليفوق بذلك عدد الرحلات لكل طرف الخمسين رحلة أسبوعية ، فيما تُقدّر نسبة ارتفاع الرحلات بين الدولتين ب 60 في المئة، وقد ساعدت الرحلات الخاصة بالركاب وتلك المتعلقة برحلات الشحن الجوي في تنويع الصادرات الفرنسية الى الإمارات، وهي تشمل القطاعات المصدّرة الثلاثة الرئيسية التي تمثّل 70 في المئة من المبيعات الفرنسية: سلع الإنتاج والمواد الكيميائية والعطور ومستحضرات التجميل والأنسجة والملابس، وبالمقابل تستحوذ المحروقات على النسبة الأكبر من واردات فرنسا وتقدر بقيم 1.5 مليار يورو .

وقد أُطلق مجلس رجال الأعمال الإماراتي - الفرنسي، والذي يهدف إلى فتح آفاق جديدة، ورفع مستوى التعاون الثنائي في عدد من القطاعات ذات الاهتمام المشترك بما يخدم أسواق البلدين.كما يتشارك البلدان العمل المُناخي والذي يمثّل أولوية قصوى لهما، معربيَن عن الطموحات والأهداف المشتركة للبلدين في هذا المجال المهم، فيما يدعم الجانب الفرنسي دولة الإمارات في تشغيل برنامجها للطاقة النووية السلمية.

وبحسب المعلومات، فقد أكد الجانبان على الدور المهم للطاقة النووية في دعم جهود البلدين للحد من الانبعاثات الكربونية في قطاعات الطاقة، وعزمهما على مواصلة التعاون المتين في هذا القطاع من خلال تبادل الخبرات الفنية وتوفير التكنولوجيا والوقود النووي، فضلاً عن مجالات البحث والتطوير.والمعلوم أن الجانبين مهتمان بالتقدّم المحرَز على صعيد مذكرة التفاهم بشأن الهيدروجين منزوع الكربون، وفيما يتعلق بجهود البحث والتطوير البحري، وقد اتفقا على توثيق التعاون الثنائي لتطوير برنامج البحوث البحرية لتعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام.

واتفق الرئيسان على أهمية الاهتمام بالقطاع الصحي وتبادل الخبرات بين الإمارات وفرنسا، علما بأن لفرنسا فرع لجامعة السوربون في أبوظبي، إضافة الى خطط لتوسيع التعاون في مجال التعليم العالي مع إنشاء مراكز تعليمية فرنسية في الإمارات بالتوازي مع استكشاف فرص جديدة للتعاون الثقافي، وذلك بعد الشراكة الناجحة التي تجسّدت في متحف اللوفر- أبوظبي.كما وقّع الجانبان الإماراتي والفرنسي اتفاقيات عدة تتعلق برصد الأرض والمبادرات بشأن تغير المُناخ واستكشاف القمر، وذلك لتقوية وتوطيد التعاون في المجال الفضائي.وأكد الرئيسان، ودولتاهما عضوان مؤسسان في التحالف الأمني الدولي منذ عام 2017، على التزامهما بمكافحة التطرّف والجريمة العابرة للحدود من خلال تبادل الخبرات ومواصلة تعزيز الجهود المشتركة مع بقية الدول الأعضاء.

أما في الملفات السياسية، وبحسب المعلومات، فقد تناول البحث آفاق تعزيز السلام والحوار والدبلوماسية في الشرق الأوسط، والتخلّي عن النهج العنفي في حل الخلافات، كما اتفق الجانبان على العمل لتسهيل التوصل الى اتفاق حول المفاوضات النووية مع إيران يضمن تعزيز الأمن الإقليمي.

باختصار، زيارة الرئيس الإماراتي لفرنسا جاءت لتؤكد الشراكة الفرنسية - الإماراتية الاستراتيجية، والتنسيق الثنائي في تناول الملفات الإقليمية والدولية، والتعاون في مجال الطاقة، فباريس وأبو ظبي في وحدة رؤية ونظرة الى علاقات مستقبلية واعدة ومتطورة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: