بين " تطنيش" الدولة وانعدام الرقابة ومزاجية القضاء…لا تغيير في قواعد الإشتباك بين المصارف والمودعين!!

122016Image1-1180x677_d

المعارك لا زالت قائمة في لبنان وبضراوة ملحوظة بين المصارف والقضاء، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة الإجراءات القضائية في حق عدد من المصارف، مترافقةً مع كباش سياسي داخلي وتحركاتٍ دولية مستنِدة الى جملة دعاوى رفعها مودعون لبنانيون وغير لبنانيين وجمعيات ومنظمات تحت عنوان واحد أوحد" طارت ودائعنا"!

ومع اشتداد حدة هذه المعارك بين المصارف والقضاء من جهة، و المصارف والمودعين البالغ عددهم أكثر من مليون مودع من جهة ثانية، وفي غياب مسودة خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي من قبل الجهات المعنية على الأقل، تمهيداً للجم انهيار القطاع النقدي، تحوّلت المصارف بمقراتها الرئيسية وفروعها في بيروت ومختلف المناطق الى ما يشبه "القلاع المحصّنة" بمؤزارة أمنية، وفي الوقت الذي يحشد فيه المودعون عشرات القانونيين لرفع الدعاوى في وجه عدد من المصارف للمطالبة باسترداد أموالهم، تحشد المصارف بدورها أيضاً عشرات القانونيين من أجل صوغ مخارج لقضايا الإختلاس والإفلاس والإهمال، والظاهرتان بدأتا بعد انطلاق التظاهرات الشعبية في الربع الأخير من العام ٢٠١٩ وانفجار الأزمة المالية.

تراتبية المسؤولية عن الإنهيار

كل ما تقدّم يقودنا الى طرح جملة أسئلة عن تراتبية مسؤولية انهيار القطاع النقدي ووصول العملة الوطنية الى قيمة " صفر" مقابل الدولار، فمَن المسؤول وفق هذه التراتبية؟
المسؤولية الأولى والمباشرة تقع على الدولة والسلطة السياسية التي "طنّشت" عن وضع الإصلاحات الضرورية والملحّة من أجل استعادة الثقة بحوكمتها بالدرجة الأولى في سبيل استمرارية تدفق رؤوس الأموال الخارجية الى البلد.
المسؤولية الثانية تقع على المصرف المركزي، صاحب الكيان القانوني ومهندس السياسات النقدية، تليه لجنة الرقابة على المصارف التابعة للدولة لأنها لم تؤدِ واجبها الرقابي، ثم على الحكومة، سواء كانت حكومة أصيلة أو حكومة تصريف أعمال، ممثلةً بوزارة المالية لناحية إشرافها على عمل المصارف، مع الإشارة الى أن أموال الناس موجودة لدى المصارف وليس الدولة.

سوء إدارة مودعين ..وBLC نموذجاً

في مطلق الأحوال، وبعيداً عن تبرئة ذمة المصارف وجمعيتها من مشهدية طوابير الذل أمامها، وإن كانت تستند في الإجراءات التي تتخذها الى تعاميم مصرف لبنان، وهي إجراءات أدّت لاحقاً الى احتجاز أموال المودعين، تبقى بعض الإستثناءات في سوء إدارة المودع لمعركة استعادة أمواله واردة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، "حكاية" أحد المودعين (باسكال.ر) مع البنك اللبناني للتجارة (BLC) التي بدأت فصولها في أيلول من العام ٢٠٢٠ حين قام المودع المنتسب الى جمعية " صرخة المودعين"، وهو طبيب كان قد باع عيادته، بفتح حساب بموجب ثلاث شيكات مصرفية بقيمة إجمالية هي ١٠٠ ألف دولار في فرع بكفيا، وبقي الحساب مفتوحاً الى حين مطالبته مؤخراً، بمؤازرة وإسناد من رئيس تحالف متحدون المحامي رامي علّيق، بقبض كامل وديعته عقداً ونقداً.
تسلسل الوقائع الزمنية يشير الى أن المودع حاول إيداع الشيك في أحد المصارف الذي لم يأخذه منه، فجرى تواصل بينه وبين رئيس مجلس إدارة والمدير العام للبنك اللبناني للتجارة نديم قصار الذي قال له ما حرفيته: " يمكنك إيداع المال وفق شيك بقيمة ١٠٠ ألف دولار على أن تأخذه لاحقاً بالفريش دولار ب٣٠ مليون"، وبناءً عليه وضع المودع أول شيك مسحوب على مصرف لبنان بقيمة ٤٥ ألف دولار بتاريخ ٧/٩/٢٠٢٠، ثم الشيك الثاني وبالقيمة نفسها بتاريخ ٢٢/٩/٢٠٢٠ وهو مسحوب على البنك اللبناني- السويسري، والشيك الأخير بقيمة ١٠ الآف دولار بتاريخ ١٥/١٠/٢٠٢٠.
ومع مطالبة المودع بوديعته كاملة منذ فترة غير بعيدة، تم إقفال حساباته وإيداع وديعته بموجب عرض فعلي بتاريخ ٣١/١/٢٠٢٣، فعادت القضية الى نقطة الإنطلاق مع توجه المودع الى القضاء، ومع سريان شائعات تتحدث عن جناية إفلاس احتيالي وتقصيري أقدمَ عليها المصرف.

"الخبرية" ونقيضها…عن ظلم يطال المودعين

"حطيت حساب مُشترك بإسمي وإسم إبني قبل ما موت لأني مريض"، بهذه الكلمات وصف لنا المودع مروان الزهيري حالته، بعدما قصد موقعنا لرفع صرخته إثر اكتشافه أن مصرف SGBL في كورنيش المزرعة يقتطع من حسابه ١٣.٦$ كل شهر، وبعد مواجهته لمدير الفرع المذكور كان الجواب "ولو! ما بيطلعوا بالسنة ١٦٣$، وهذا القانون يُطبّق على جميع الودائع".
و لفت الزهيري إلى أن هذا الحساب هو تعويض نهاية خدمته بعدما كان يعمل كمهندس في شركة ترابة سبلين "أودعت المبلغ عام ٢٠١٨ بالليرة اللبنانية وحوّلته في منتصف عام ٢٠١٩ للدولار وقد سجلته بإسمي وإسم ولدي، ولم أستطع منذ ذلك الحين أن أسحب أي شيء من الحساب وكنت أنتظر أي تعويض من الدّولة باعتبار حسابي صغير وانا أُعتبر من صغار المودعين".
هي عيّنة من روايات لا تنتهي ولا يبدو أنها الى زوال أقله في المدى المنظور، ويبقى عنوان " الفوضى" هو الأبرز في مرحلة دقيقة جداً يمكن أن نطلق عليها تسمية " إدارة المخاطر" وعلى الصعد كافة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: