ثبت عبر التاريخ ان مصائر الشعوب احيانا كثيرة رهن بخياراتها فبقدر ما تكون تلك الخيارات صحيحة ومفيدة بقدر ما تضمن استمراريتها واستمرارية ازدهارها وتقدمها . ففي مقارنة بسيطة بين لبنان واوكرانيا يمكننا ان نجد اكثر من قاسم مشترك نعرض اثنين منهم :
اولا : في لبنان كان ثمة مقولة تناولتها اجيال الستينات والسبعينات بان قوة لبنان بضعفه - وكان لهذا المقولة ما يبررها لانها ثبتت بالنهاية لبنان ملتقى حضارات وبلاد التلاقي بين الشرق والغرب والسلام والانفتاح والبحبوحة المادية والازدهار والسياحة . وقد نمى لبنان في ظل هذه المقولة بحيث بات مستشفى الشرق وجامعة الشرق ومدرسة الشرق وفندق الشرق ومصرف الشرق فتدفقت الاموال والرساميل واصبح لبنان قبلة العالمين الشرقي والغرب زهاء ٣ عقود من الزمن الى ان دخلته لوثة الانحيازات والاصطفافات الاقليمية والدولية وانبرى من اللبنانيين من يريد الانخراط في مواجهات اكبر من لبنان ومن طاقته على تحملها واكبر من بنيته التي ما تأسست الا لتكون ملتقى لا محور وقبلة توافق لا جبهة تنازع وتعارك . فحلت به الويلات تارة باسم قضية فلسطين وتارة باسم العروبة وتارة باسم مواجهة قوى الاستكبار والاستعمار وتارة باسم القومية العربية وطورا باسم الدين الى ما هنالك من تورطات افقدته بحجة القوة المادية قوة ضعفه .
واوكرانيا ليست بعيدة عن هذا النموذج عندما نراجع تاريخ تلك البلاد الشاسعة والجميلة كادت تكون جوهرة اوروبية ونقطة تلاقي بين الجار الروسي والجار الغربي - افلم يكن بمقدور اوكرانيا ان تستفيد من موقعها وتاريخها ودورها كي تكون عامل تواصل وتوافق وسلام بدل ان تتحول كما لبنان ساحة لحروب الغير على حسابها ؟ فما الفائدة التي جناها الاوكرانيون من الحاحهم في مطالبتهم بالانضمام الى الناتو ؟ وما النتيجة التي جنوها من استفزاز الجار الروسي الحامل في ذاكرته التاريخية وارثه الجماعي عقدة الاعتراف بقطبية دوره بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ؟ فاين الناتو من هجوم ذاك الدب الروسي عليهم ؟ فلا هم انضموا للناتو ولا تمكنوا من تجنب هجوم الجار الروسي عليهم .
ثانيا : في لبنان حركة انفصالية اسمها حزب الله ومناطق نفوذه تماما كما الدونباس في اوكرانيا : فللبنان " دونباسه " الايراني السياسي -الذي يحتجز كل لبنان وكل اللبنانيين ويمسك بمصير ومفاصل الدولة خدمة لاجندة الدولة الراعية تماما كما لوغانسك ودونتسك اللتين لا تعرفان باوكرانيا قومية ويعتبران انفسهما جزأ من الامة الروسية ولا يعنيهما الانتماء لاوكرانيا .فلماذا لا تعترف اوكرانيا باستقلالية هاتين المنطقتين وبحكمهما الذاتي والتحاقهما بروسيا الاتحادية في مقابل التزام روسيا باحترام سيادة واستقلال اوكرانيا كدولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي وبدون لا استفزازات روسية ولا استفزازات اوكرانية ؟
فاعتراف اوكرانيا بالقرم والدونباس الروسيين وبعدم الانضمام للناتو مستقبلا في مقابل انضمام اوكرانيا للاتحاد الاوروبي يعيد لهذه البلاد دورها المميز الذي يفرضه موقعها الجغرافي والحيو سياسي في قلب القارة الاوروبية . اما في لبنان فنحن في الواقع الجيو سياسي امام معضلة تتشابه مع معضلة اوكرانيا الانفصالية لكن ليس من السهل على اللبنانيين تقبل صيغتها - فالمعضلة تتمثل في اننا امام فريق انفصالي لا يريد لبنان الا بمفهوم ايراني عكس غالبية اللبنانيين الذين يؤمنون بلبنان وطنا نهائيا لجميع ابنائه بمفهوم لبناني وطني جامع - لكن هل نستطيع ان نجبر حزب الله بالقوة بان يكون ولاؤه الاول والاخير للبنان ؟ طبعا لا يقولها الحزب بالفم الملآن : بانه تابع للجمهورية الاسلامية في ايران - وامينه العام جندي في ولاية الفقيه فهل نستطيع تغيير هذه الحقيقة ؟ طبعا لا
من هنا تبرز الحاجة لابتكار حلولا او صيغا تفك ارتباط لبنان كل لبنان بهذا الفريق من جهة وتنهي هذه المعضلة وتضع كل طرف امام مسؤولية مواقفه من جهة ثانية : حزب الله يريد ايران فليكن مع ايران لكن المشكلة اننا كلبنانيين غير جاهزين نفسيا ومعنويا ووطنيا لتقبل فكرة صيغة الدونباس لان لبنان بحد ذاته بمساحته صغير ولان التداخل الطائفي والمناطقي كبير بين مناطق سيطرة دويلة الحزب والدولة ولاننا كسياديين لا نريد الا لبنان واحد موحد - لكن شتان بين ما نريد وما هو واقعي . لكن ومع كل ذلك تبقى الحقيقة المرة شاخصة امامنا ولا حل لها الا المحظور : نفيان لا يؤلفان دولة .
انها لعنة الجغرافيا بين اوكرانيا ولبنان … ووبال تغيير مسارهما التاريخي …