تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة : ذروة الإدانة الأممية لإسرائيل

Untitled-3-33-660x330-1

فعّلَ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ما يمكن اعتباره أداةً ديبلوماسية وسياسية فتّاكة يملكها  في ميثاق منظمة الأمم المتحدة لينبّه مجلس الأمن أن ما يجري “يهدّد حفظ السلم والأمن الدوليين”

حثّ مجلس الأمن على المساعدة لتجنّب وقوع كارثة إنسانية

الجميع متفّق على أنها المرة الأولى التي يقوم فيها غوتيريش بتفعيل المادة 99 من الميثاق منذ أن أصبح أميناً عاماً للأمم المتحدة عام 2017، علماً أن المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ حرفياً على أن “للأمين العام أن ينبّه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدّد حفظ السلم والأمن الدوليين.
غوتيريش، في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي، أشار الى أنه “لمواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، “أحثّ مجلس الأمن على المساعدة في تجنّب وقوع كارثة إنسانية، وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار”.

القلق من وصول الأمم المتحدة الى نقطة الشلل التام لعملياتها الإنسانية

هذا الموقف من الناحية الديبلوماسية والقانونية الدولية، يقوم الأمين العام بتفعيل السلطة التي يمنحها له الميثاق، وهي خطوة دستورية جبارة لأن المادة 99 هي “أقوى سلاح  يمتلكه الأمين العام في إطار ميثاق الأمم المتحدة، علماً أن غوتيريش قلقٌ من وصول الأمم المتحدة الى نقطة الشلل التام  لعملياتها الإنسانية في غزة حيث قُتل أكثر من 16 ألف شخص، و130 من العاملين في الأمم المتحدة حتى الآن،
وأمام هذا الحدث الجلل يُطرح السؤال البديهي عما هي المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وماذا يعني تفعيلها، وما هي الآثار والتداعيات لمثل هذا التفعيل على إسرائيل ومصير حرب غزة؟

المادة 99 تحوّل الأمين العام من مسؤول إداري الى مسؤول سياسي

في هذا السياق، نشير أولاً الى أن من بين المواد الخمس في ميثاق الأمم المتحدة التي تحدّد مهام الأمين العام، تُعدّ المادة 99 الأكثر أهمية لأنها تختص بالسلام والأمن الدوليين، فهي تمنح الأمين العام سلطة “لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدّد حفظ السلم والأمن الدوليين، وبهذه الطريقة تسمح المادة 99 للأمين العام ببدء المناقشة في مجلس الأمن حول قضية معينة للضغط على الأعضاء، لاتخاذ إجراءات وخطوات حاسمة لحفظ الأمن والسلم الدوليين. وبحسب ما يتردّد على لسان الأمين العام الأسبق للمنظمة بين العامين 1953 و 1961 داغ هامرشولد  فإن المادة 99 هي أهم من أي مادة أخرى، لأنها تحوّل الأمين العام من مسؤول إداري بحت إلى مسؤول يتمتّع بمسؤولية سياسية واضحة.

المادة 99 في ظل تعطيل ديناميات مجلس الأمن

أهمية وخطورة استخدام هذه المادة الدستورية وتفعيلها تكمن في أنها أداة ضغط يلجأ اليها الأمين العام عندما يرى أن حدثاً دولياً ما يتحوّل الى تهديد جدّي للأمن والسلم الدوليين، في ظل تعطل ديناميات مجلس الأمن للتوصّل الى اتفاق بشأن مناقشة الصراع أو الحدث أو النزاع القائم، وذلك لأن لفت انتباه المجلس إلى الحالات التي تشكّل خطراً على الأمن والسلم الدوليين من شأنه أن يدفع أعضاء المجلس إلى التركيز على دورهم في منع نشوب الصراعات، وتفعيل مجموعة أدوات منصوص عليها في الفصل السابع. وهذا قد يدفع المجلس إلى اتخاذ خطوات فعالة وحاسمة، علماً أن اللجوء الى تفعيل المادة 99 من الميثاق الأممي يُعتبر بمثابة إعلان تعبئة دولية أممية عامة وشاملة للتصدّي للخطر الداهم، عندما تصبح أدوات المنظمة الكلاسيكية عاجزة عن إتمام أعمالها ومهامها في مجال أي صراع أو نزاع مسلّح يُنذر بتداعيات خطيرة وجدّية على الأمن والسلم الدوليين، ونادراً ما يتمّ اللجوء إلى المادة 99، وكانت المرة الأولى التي أدى استخدام هذه المادة إلى اتخاذ مجلس الأمن الدولي إجراءً، هي رسالة همرشولد المؤرخة في 13 يوليو عام 1960، والتي طلبَ فيها عقد اجتماع عاجل للمجلس بشأن الكونغو آنذاك، حينها لم يسمِ الأمين العام صراحةً المادة 99 ولكنه استخدم لغتها عندما قال: “يجب أن ألفت انتباه مجلس الأمن إلى مسألة في رأيي قد تهدّد صون السلم والأمن الدوليين”، ما أدى يومها إلى تفويض مجلس الأمن في اليوم التالي للقيام بعملية عسكرية تابعة للأمم المتحدة لمساعدة حكومة الكونغو.

مَن يعود لتاريخ الأمم المتحدة في التعامل مع الصراعات، يجد  أنه من بين أكثر من 100 صراع تدخّل فيه الأمين العام، لم يتطلب سوى عدد قليل جداً منها اللجوء رسمياً لاستخدام المادة 99، فضلاً عن ثلاث دعوات صريحة إعترفت بها الأمم المتحدة (الكونغو 1960 وإيران 1979 ولبنان 1989)، مع تسجيل أكثر من 12 استدعاء ضمنياً في مجلس الأمن.

الكوريتان وتونس نموذجان لتطبيق المادة 99

الأمين العام غوتيريش حذّر في رسالته الى مجلس الأمن من “انهيار كامل وشيك للنظام العام” في قطاع غزة، ما حدى به الى استخدام مضمون المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة كحق دستوري له يحوّله من أمين عام إداري للأزمة الى فاعل سياسي، من خلال آليات الضغط على الدول الأعضاء وتحميلهم المسؤولية المباشرة في صون الأمن والسلم الدوليين، والأهم من ذلك أنه في الغالبية العظمى من الصراعات التي شهدها العالم، لم يتم تقديم أي تحذير على الإطلاق يستند إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، مع الإشارة الى أنه تاريخياً، وفي بعض النماذج السابقة عندما هاجمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن بطلب من الولايات المتحدة (قاطعه الاتحاد السوفياتي)، تحدّث الأمين العام تريغفه لي مشيراً إلى أن “القوات الكورية الشمالية قامت بأعمال عسكرية”، والتي كانت “انتهاكاً مباشراً” لقرارات الجمعية العامة.
يومها قال الأمين العام إن “هذا الوضع شكّل “تهديداً للسلام الدولي، معتبراً أنه من واجب مجلس الأمن أن يتخذ الخطوات اللازمة لإعادة إحلال السلام في تلك المنطقة، فما كان من مجلس الأمن إلا أن  أصدر قرارات تدين الهجوم باعتباره خرقاً للسلام.
وفي 27 يونيو من العام نفسه، دعا مجلس الأمن أعضاء الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة لصدّ الهجوم، وكذلك في مسألة تونس 1960 عندما اشتد القتال حول بنزرت، بين القوات الفرنسية (التي كانت تحتل المدينة) والجنود والمدنيين التونسيين. وكانت تونس قد حاصرت القاعدة البحرية الفرنسية في المدينة، حينها  تحدث الأمين العام أنذاك داغ همرشولد عن مخاطر إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالسلم والأمن الدوليين، مضيفاً أنه في ضوء “التزامات الأمين العام بموجب المادة 99″، فإنه يناشد مجلس الأمن توجيه دعوة فورية لوقف إطلاق النار وعودة جميع القوات المسلّحة إلى مواقعها الأصلية، و قد اعتمد المجلس قراراً يتضمن هذه الأحكام بأغلبية 10 أصوات ولم يعارضه أي عضو بالمجلس، مع رفض فرنسا المشاركة.

ما حصل في قطاع عزة يمكن وصفه بالوحشية المطلقة

وعندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 ودامت أكثر من 15 عاماً، وقامت إسرائيل بغزو جنوب لبنان في 15 مارس 1978 (عملية الليطاني) لتدمير القواعد الفلسطينية، ومنع الهجمات التي تنطلق من الأراضي اللبنانية على إسرائيل، لفت الأمين العام آنذاك  كورت فالدهايم انتباه مجلس الأمن الدولي إلى خطورة الوضع في لبنان في استخدام ضمني للمادة 99 من الميثاق الاممي، ولم تتأخر ردة فعل إسرائيل الغاضبة على لجوء الأمين العام الى تفعيل المادة 99، وقد إعتبر وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين الأربعاء، أن ولاية أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هي “تهديد للسلم العالمي” بعد إرساله خطاباً لمجلس الأمن حول غزة لتفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة، مشيراً إلى أن “طلب تفعيل المادة 99 والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة يشكّلان دعماُ لمنظمة “حماس” الإرهابية، وتصديقاً على قتل المسنّين واختطاف الأطفال واغتصاب النساء، وقد بات من الواضح أن إسرائيل تتخذ من أحداث 7 تشرين الأول “شمّاعة” لتبرير جرائمها المضاعفة عن جرائم 7 تشرين الأول، وقد تجاوزت كل حدود الدفاع عن النفس، وباتت تقتل أطفالاً ونساء عزّل في كامل قطاع غزة، الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا بالوحشية المفرطَة، إذ إن خطأ 7 تشرين الأول لا يُعالج بخطأ شهرين من قتل سكان وضرب مستشفيات وانتهاك مقدّسات، مع رفضنا الكامل والمتكرّر لنهج حماس وتصرفاتها و”حماقتها” ” في 7 تشرين الأول، إذ كان يجب على القيادات في حماس والفصائل التابعة أن يتوقعوا ردّة فعل إسرائيل على ما أقدموا عليه، أقله في تأمين حماية المدنيين وتخصيص أنفاق لهم، وليس تركهم عُرضة للهمجية الإسرائيلية فوق الأرض واختباء المقاتلين تحت الأرض .
 

المادة 100 استلحاقاً بالمادة 99

بالعودة الى المادة 99 من الميثاق، فإن الأهم من وجهة القانون الدستوري للمنظمة من تلك المادة ما تنصّ عليه المادة 100 من المثياق بأن ” … ليس للأمين العام ولا الموظفين أن يطلبوا أو يتلقّوا في تأدية واجبهم تعليمات من أي حكومة أو من أي سلطة … “، ما يدعم من جهة استقلالية الأمين العام في مواقفه، ومن جهة أخرى يضفي على سلطته القوة المعنوية والسياسية والديبلوماسية التي تمكّنه من ممارسة الضغوط على أعضاء المجلس والمنظمة في لفت نظرهم الى ما يتهدّد الأمن والسلم الدوليين في ظل تعهّد كل عضو في الأمم المتحدة باحترام الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات الأمين العام والموظفين وبعدم السعي الى التأثير فيهم … وهذا ما خالفته إسرائيل في ردّة فعلها العنيفة ضد استخدام الأمين العام المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
 

تفعيل المادة 99 من الميثاق الأممي حكمٌ إتهامي فريد من نوعه وغير مسبوق بحق إسرائيل، وما ردة فعل إسرائيل على خطوة الأمين العام إلا دليلاً قاطعاً على مدى خطورة هذا التفعيل … فهل بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يتحسّس خطورة ما يفعله على إسرائيل ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: