ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أحد أصحابه وهو أبو ذرّ الغفاري عندما قال له: يا أبا ذر لا يكون الرّجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشّريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه، أمِن حلّ ذلك أو حرام. فلنستوص بوصيّة رسول الله بأن نحاسب أنفسنا لنقف على عيوبها ونحيط بذنوبها قبل أن نقف بين يديّ من يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وبذلك نكون أكثر وعياً لأنفسنا وقدرةً على مواجهة التّحديات".
وقال: "البداية من التّصعيد الصّهيونيّ الّذي شهدناه أمس في الغارات المكثّفة في بلدات جنوبيّة عدّة واستمرار عمليّات الاغتيال الّتي طاولت العديد من المواطنين في أثناء تنقّلهم وسعيهم لتأمين حاجاتهم وفي الاستهداف لأيّ مظهر من مظاهر الحياة في قرى الشّريط الحدوديّ أو ما يسهم في إعمارها، لمنع أهلها من العودة إليها أو الاستقرار فيها وفي الطّلعات الجويّة للطّائرات المسيّرة والحربيّة الّتي تجوب المناطق اللّبنانيّة وتنتهك سيادة البلد".
أضاف: "والّذي يواكب بالتّهديدات الّتي تصدر عن قادة العدو الأمنيين والسياسيين ووسائل إعلامية بالإعلان عن نيّة هذا العدوّ في توسعة دائرة الحرب والّتي قد تصل إلى العاصمة وضاحيتها الجنوبيّة بذريعة إستعادة المقاومة لعافيتها وجهوزيّتها في مواجهة اعتداءاته وغطرسته. لقد أصبح من الواضح أنّ العدوّ يهدف من وراء ذلك إلى مزيد من الضّغط على الدّولة اللّبنانيّة للقبول بإملاءاته وشروطه وإضعاف مناعة اللّبنانيين وزيادة الشّرخ بينهم".
وتابع: "إنّنا أمام ما يجري، ندعو الدولة اللّبنانية إلى أن يبقى خيارها هو عدم الخضوع لأيّة إملاءات أو شروط تمسّ بسيادة لبنان وسلامة أراضيه وحريّة إنسانه وأن تصرّ على موقفها الّذي أخذته أمام الدّول الرّاعية لإيقاف إطلاق النّار بدعوة هذا الكيان إلى إيقاف اعتداءاته والانسحاب من الأراضي الّتي احتلها واستعادة الأسرى بعد أن التزم لبنان بما تمّ الاتفاق عليه ولا يزال... وأي تأخير يطالب به لبنان هو لسبب عدم وفاء العدوّ بالتزاماته، في الوقت الّذي نريد من الدّولة استنفار دبلوماسيّتها واعتماد الوسائل الّتي تكفل منع العدوّ من تنفيذ تهديداته والاستعداد لمواجهة أيّ مغامرة جديدة قد يقدم عليها".
وجدد السيد فضل الله الدعوة للّبنانيّين إلى "أن يكونوا أكثر وعيا لأهداف هذا العدو والمخاطر الّتي تترتّب على عدوانه من المس بسيادة هذا الوطن وأرضه وأن تتوحّد جهودهم من أجل منع العدوّ من تحقيق أهدافه وإملاء شروطه المذلّة عليه وأن يجمدوا الخلافات في ما بينهم، ليوجّهوا سهامهم إلى من كان هو السّبب في كلّ ما يعانون منه"، وقال: "إنّ من المؤسف أن نجد من لا يزال ينظر الى أن ما يجري بأنّه يخصّ طائفة أو مذهبا أو موقعا سياسيّا بينما يريد العدوّ إخضاع الوطن والانتقاص من سيادته والنّيل من وحدته".
واردف: "إن على اللّبنانيّين الّذين يتحدّثون عن سيادة هذا البلد، أن يعوا أنّ مفهوم السّيادة لا يتجزّأ وأنّ لبنان لا يقوم إلّا بكلّ مكوّناته وطوائفه... فلا يمكن أن ينعم بالسّيادة على أرضه من دون أن تحفظ في جوّه وبحره أو أن ينعم بها من هم في شماله أو شرقه أو غربه بدون أن ينعم بها من هم في بقاعه وجنوبه وقلبه".
وتطرق إلى "مسألة الإعمار لما تهدّم بفعل الحرب الإسرائيليّة والّذي يزداد مع الأيّام بفعل الاعتداءات والتّفجيرات الّتي يقدم عليها العدوّ في الشّريط الحدوديّ وغيره، وهو ما أخذته الدّولة على عاتقها في بيانها الوزاريّ وخطاب القسم"، مشيدا بالاجتماع التّمهيدي الّذي انعقد حول هذه القضيّة الوطنيّة بدعوة من رئيس المجلس النّيابي والّذي كنّا نريده أن يشكل هما وطنيا جامعا يتلاقى عليه كل اللّبنانيّين بكل مواقعهم وطوائفهم ومذاهبهم ليكون ذلك تأكيدا على وحدتهم عندما تواجههم المآسي الّتي تعصف بها... فلا يتحوّل الإعمار إلى مطلب طائفيّ أو مناطقيّ أو يعمل على انتزاعه من بُعده الإنسانيّ إلى أن يصبح جزءاً من الضّغوط الّتي تمارس على لبنان لتقديم تنازلات من حسابه".
وتحدث عن ما يجري في السودان، متوقفا "عند الحرب الّتي يشهدها هذا البلد في كل هذه المجازر والارتكابات الفظيعة الّتي تحدث فيها ما يدعو الدول العربيّة ولا سيما المؤثرة في هذه الحرب للإسراع في تحمل مسؤولياتها بإنهاء نزيف الدّم والدمار والمجازر والعمل لعودة الاستقرار إلى هذا البلد لحفظ إنسانه ومقدّراته وثرواته الّتي يراد أن تكون نهبًا للطّامعين بها".
وختم فضل الله بالحديث عن ما يجري في غزّة "الّتي ورغم قرار وقف إطلاق النّار لا يزال العدوّ، يخرق هذا الاتّفاق باستهداف مبانيها وما تبقى من بنيتها التحتية والتملص من التزاماته بإيصال الدواء والغذاء الكافي إليها والمساعدات الّتي تحتاجها، ما يستدعي تدخّل الدّول الرّاعية لهذا الاتّفاق للقيام بدورها لتنفيذه كاملا وعدم ترك غزة ساحة مستباحة لإرهاب هذا الكيان الّذي لن يكف عن العمل للهدف الّذي يصر عليه وهو التّدمير الكامل للقطاع وتهجير أهله كما يفعل في الضّفّة الغربيّة".