في الرابع من آب 2020، لم تهتز منطقة المرفأ والكرنتينا والمدوّر والأشرفية والجوار، بل لبنان بأجمعه. إنفجار هائل قتل أكثر من مئتي شخص وأسقط الآف الجرحى والمعوقين، وألحق دماراً ضخماً بالعاصمة بيروت، فغابت عنها كل التسميات والعناوين، لتصبح عاصمة الدمار والحزن والموت.
إهتز المجتمع الدولي وتضامنت مع لبنان عواصم العالم، ولم تهتز ضمائر المسؤولين اللبنانيين أمام هول الكارثة والمشاهد المرعبة وأشلاء الضحايا، ليُترك الشعب لمصيره الأسود، سلطة غير آبهة بشعبها، أوصلته الى ذلك الدرك المرعب ليستحق إنفجار 4 آب 2020 عنواناً، يُختصر بعبارة واحدة ” دولتي فعلت بي هذا”، بضع كلمات ترجمت معاناة اللبنانيين، منذ تواجد تلك المنظومة الجامعة لكل الفاسدين.
هذه العبارة التي سطعت في أذهان اللبنانيين لحظة الإنفجار تأكدت حقيقتها بعد التحقيقات التي أشارت الى أنّ مسؤولين سياسيّين وأجهزة أمنية كانوا على علم بمخاطر تخزين أطنان من نيترات الأمونيوم في المرفأ، لكنهم لم يُحرّكوا ساكناً. وعندما قرّر القضاء إستدعاء بعض هؤلاء المسؤولين لإستجوابهم في القضية، توحّدوا كالعادة رافضين رفع الحصانة عن نواب تولوا مناصب وزارية خلال تلك الفترة، ومنح الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيّين.
وعلى الرغم من المُصاب الأليم، لم يحصل اللبنانيون لغاية اليوم على أجوبة تشفي غليلهم، مَن هو المسؤول الأول عن تلك الكارثة؟ ولماذا تُركت تلك الأطنان سبع سنوات في المرفأ؟ ومَن كان يعلم بها؟ الى ما هنالك من أسئلة تصدّت لها تلك المنظومة ووقفت أمامها بالمرصاد. لكن لا بدّ لهؤلاء أن يعرفوا أنّ زمن الهروب من المسؤولية قد ولّى أمام دماء الضحايا وهول المصيبة، وعلى كل مَن أهمل وقصّر في واجبه أن يتحمّل المسؤولية وينال العقاب الذي يستحقه، لربما هذا العقاب يشفي ولو بنسبة قليلة من غليل أهالي الشهداء.
اليوم ومع مشاركة اللبنانيين في يوم 4 آب، للوقوف الى جانب الأهالي، ستسطع الحقيقة من مكان الإنفجار، ولا بدّ لتلك الوقفة أن تنتج انتصاراً يؤدي الى تحقيق ما نصبو اليه جميعاً، بدءاً برفع الحصانات عن الجميع كي تفتح دروب العدالة ولو لمرة واحدة في لبنان، في “يوم المطالبة بالحقيقة والعدالة”، ضمن مسيرات تقرع على وقعها أجراس الكنائس وأصوات المآذن، والصلوات الجامعة لكل اللبنانيين الثائرين من أجل إحقاق الحق، وإسقاط منظومة الحصانات التي يتلّطون خلفها من دون أن يُحاسبهم أحد.
اليوم يجب إحياء الثورة مع زخم جديد جامع وموّحد كي تتدحرج سلطتهم القمعية أمام شهادة الطفلة الكسندرا، والأبطال رالف وشربل ونجيب وعلي ومحمد و….، اللائحة تطول ولا بدّ لشمس العدالة أن تنجلي يوماً كي يستريح الشهداء في عليائهم.
